41وذكر البيضاوي - في التفسير - الاجماع علي أنه مشروع في الحج والعمرة، وإنما الخلاف في وجوبه، فعن احمد أنه سنة، وبه قال أنس وابن عباس. لقوله تعالي: فلا جناح عليه. . . فانه يفهم منه التخيير. قال: وهو ضعيف، لان نفي الجناح يدل علي الجواز، الداخل في معني الوجوب، فلا يدفعه. وعن أبي حنيفة أنه واجب، يجبر بالدّم. وعن مالك والشافعي أنه ركن. . 9.
وذكر ابن قدامة عن أحمد روايتين، احداهما: إنه ركن لا يتمّ الحج إلاّ به. والثانية: أنه سنة لا يجب بتركه دم. ثم رجح مذهب أبي حنيفة، أنه يجبر بدم، قال: وقول عائشة في ذلك - بكونه ركناً - معارض بقول من خالفها من الصحابة. . 10.
قال الرازي: احتج أبو حنيفة لعدم الركنيّة بوجهين، أحدهما هذه الآية فلا جناح، قال: وهذا لا يقال في الواجبات. وقد أكدّه تعالي بقوله : ومن تطوّع خيراً. . . فبيّن أنه تطوّع وليس بواجب. وثانيهما قوله (صلّي الله عليه وآله وسلّم) : " الحجُّ عرفة "، ومن أدرك عرفة فقد تم حجّه. . ".
ثم أخذ في الرّد علي الوجهين، ودعم مذهب غيره 11.
قال الشيخ أبو جعفر الطوسي في كتاب الخلاف:
السعي بين الصفا والمروة ركن لا يتمّ الحج إلاّ به. فان تركه أو ترك بعضه ولو خطوةً واحدةً، لم تحلّ له النساء، حتي يأتي به. .
قال: وعلي ذلك إجماع فقهاء الاماميّة. وقد فعله النبيُّ (صلّي الله عليه وآله وسلّم) وأَمَرنا بالاقتداء به: " خُذُوا عني مناسككم ". وقال: " إن الله كتب عليكم السعي. . " ومعناه: فَرَض. . 12
قلت: لا شك أنّ السعي بين الصفا والمروة، ركن من اركان الحج والعمرة. وعلي ذلك دلّت الآثار، وعليه استمرت سيرة المسلمين المتلقاة من فعل رسول الله (صلّي الله عليه وآله وسلّم) وآله الأطهار وصحابته الأخيار.
أمّا الآية الكريمة - صدراً وذيلاً - فلا صلة لها بمسألة وجوب السعي أو ندبه أو اباحته ونحو ذلك من الأحكام التكليفية أو الوضعية. وإنما هي: دفع لتوهّم الخطر - علي ما اصطلح عليه علم الأصول.
وذلك أن الآية نزلت في عمرة القضاء 13، كان رسول الله (صلّي الله عليه وآله وسلّم) قد شرط علي المشركين - ضمن شروط عقد عليها صلحُ الحديبيّة سنة ستّ من الهجرة -: أنه في العام القابل يأتي هو وأصحابه لأداء العمرة، علي أن يرفعوا الأصنام التي كان المشركون وضعوها حول البيت، وعلي جبلي الصفا والمروة، لمدة ثلاثة أيام، ليقوم المسلمون بأداء مناسكهم خلالها.
وكان المشركون قد وضعوا علي جبل الصفا صنماً يقال له: أساف. وعلي المروة: نائلة. كانوا إذا سعوا التمسوا أعتابهما. . . .
ثم لما قدم النبي (صلّي الله عليه وآله وسلّم) وأصحابه لأداء العمرة سنة سبع من الهجرة، ورفع المشركون أصنامهم من البيت والمسعي، أحرم هو وأصحابه وطاف بالبيت وسعي، تخلّف بعض أصحابه بسبب تشاعلهم ببعض شؤونهم الخاصة، فلم يتمكنوا من السعي خلال الأيام الثلاثة، فأعاد المشركون أصنامهم، ومن ثمّ تحرج هؤلاء المختلفون عن أداء السعي، ظناً منهم أنّ وجود الأصنام يتنافي وأداء عبادة السعي لله خالصةً. . فنزلت الآية دفعاً لتوهم الخطر ورفعاً لظنّ المنافاة. . . كما ورد في الحديث عن الإمام الصادق (عليه السلام) فقد روي أبو النضر محمد بن مسعود العيّاشي السمرقندي بإسنادٍ رفعه إلي الإمام أبي عبدالله جعفر بن محمّد الصادق (عليه السلام) ، سئل عن السعي بين الصفا والمروة، فريضة هو أو سنة؟ فقال: فريضة! فقيل له: أَليس يقول الله تعالي : فلا جناح عليه أن يطوّف بهما؟