40قال الزُهْري: فذكرت ذلك لأبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، فأعجبه ذلك، وقال: إنّ هذا لَعِمٌ. ولقد سمعتُ رجالاً من أهل العلم يقولون: إنما كان من لا يطوف بين الصفا والمروة من العرب، يقولون: إن طوافنا بين هذين الحَجَرين من أمر الجاهليّة. وقال آخرون من الأنصار: إنا اُمرنا بالطواف بالبيت ولم نؤمر به بين الصفا والمروة. . فأنزل الله الآية. . قال أبوبكر بن عبد الرحمن فأراها نزلت في هؤلاء وهؤلاء. .
قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح3.
وأورد القرطبي الحديث في تفسيره، ثم قال: وأخرجه البخاري بمعناه، وفيه: أن أبابكر بن عبد الرحمن قال: إنّ هذا لَعِلْمٌ ما كنتُ سمعته. . 4.
ثم نقل القرطبي تحقيقاً لابن العربي حول تأويل عائشة لهذه الآية، قال: وتحقيق القول فيه ان قول القائل: لا جناح عليك أن تفعل، إباحة الفعل. وقوله: لا جناح عليك أن لا تفعل، إباحة لترك الفعل. فلما سمع عروة الآية: فلا جناح عليه ان يطوّف. . . زعم ان ترك الطواف جائز. ثم لما رأي الشريعة مطبقة علي أن لا رخصة في ترك الطواف رأي تعارضاً، فطلب الجمع بين هذين المتعارضين. فنبّهته عائشة علي أن الآية لا تدل علي جواز ترك الطوف، وإنما كانت تدل علي ذلك إذا كانت: " لا جناح عليه أن لا يطوف. . . ". فلم يأت هذا اللفظ لا باحة ترك الطواف، ولا فيه دليل عليه. وإنما جاء لا فادة إباحة الطواف لمن كان يتحرّج منه. . 5.
غير أن جماعة من أهل الجمود في النظر، صمدوا علي إرادة جواز الترك، ومن ثم نسبوا الي بعض كبار الصحابة والتابعين أيضاً أنهم قرءؤا: " فلا جناح عليه أن لا يطوّف بهما ".
فقد أخرج الطبري بإسناده عن أبي عاصم قال: حدثنا ابن جُرَيج قال: قال عطاء: لو أن حاجّاً أفاض بعد ما رمي جمرة العقبة، فطاف بالبيت ولم يسع، فأصاب امرأته، لم يكن عليه شيء، لا في حج ولا في عمرة. من أجل قول الله - كما في مصحف ابن مسعود -: " فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن لا يطوّف بهما ".
قال: فعاودتُه بعد ذلك، فقلت: إنه قد ترك سنّة النبي (صلّي الله عليه وآله وسلّم) : قال: ألا تسمعه يقول: " فمن تطوّع خيراً "، فأبي أن يجعل عليه شيئاً. . فقد أخذ التطوع بمعني التبرّع.
وأيضاً أخرج عن سفيان عن عاصم الأحول قال: سمعت أنساً يقول: الطواف بينهما تطوع. . أي تبرّع ومندوب اليه.
وروي نحوه عن مجاهد، قال: لم يُحرَّج من لم يطف بهما. . أي لم يأت اِثماً، لأنه غير واجب.
وروي عن عطاء عن عبدالله بن الزبير، قال: هما تطوع. . 6. أي الطواف بينهما. .
وذكر القرطبي أنه في مصحف أبيّ كذلك أي: أن لا يطوف بهما. . كما نسب الي ابن عباس أيضاً أنه قرأ كذلك 7.
قال القرطبي: اختلف العلماء في وجوب السعي بين الصفا والمروة، فقال الشافعي وابن حنبل: هو ركن. وهو المشهور من مذهب مالك. . . وقال أبو حنيفة وأصحابه والثوري والشعبي: ليس بواجب، فان تركه أحد من الحاج حتي يرجع الي بلاده، جبره بالدّم. لأنه سنة من سنن الحج. وهو قول مالك في " العُتبيّة " (كتاب في مذهب الامام مالك - كتبه محمد بن أحمد العتبي القرطبي) . . 8.