39
وقفة فاحصة عند لفظة " فلا جناح عليه "
من آية السعي ( البقرة: 158)
تأليف: محمّد هادي معرفة
الحمد لله وسلام علي عباده الذين اصطفي محمّد وآله الطاهرين.
قال تعالي
: إنّ الصفا والمروة من شعائر الله. فمن حجّ البيت أو اعتمر فلا جُناح عليه أن يطّوّف بهما. ومن تطوّع خيراً فإنّ الله شاكر عليم.
لا شكّ أن السعي بين الصفا والمروة، فريضة واجبة، وشرطٌ حتمٌ أي ركن في الحج وكذا في العمرة، سواء أكانت مفردةً أم متمتعاً بها الي الحج.
ولفظة فلا جُناح تعني عدم البأس، وهذا يعني الترخيص في الفعل فحسب دون اللزوم، فما وجه هذا التعبير الموهم خلافَ المقصود؟
الجناح: الأثم ومنها لا جناح عليك.
وقد حاول المفسرون ومن ورائهم الفقهاء، محاولاتٍ شتي في حلّ هذا المُشكل وتوجيه هذا المعضل.
قال الامام الرازي: ظاهر قوله تعالي : فلا جناحَ عليه انه لا إثم عليه. والذي يصدق انه لا إثم في فعله، يدخل تحته الواجب والمندوب والمباح، ثم يمتاز كل واحد من هذه الثلاثة عن الأخر بقيد زائد.
فإذاً ظاهر هذه الآية لا يدل علي أن السعي بين الصفا والمروة واجب أو ليس بواجب، لأن اللفظ الدال علي القدر المشترك بين الأقسام لا دلالة فيه ألبتة علي خصوصيّة، فلا بُدّ في فهم الخصوصية من الرجوع الي دليل آخر. . 1.
وأخرج الطبري؛ بإسناده عن عروة بن الزبير، قال: سألت عائشة: أرأيت قول الله: فلا جناح عليه أن يطوّف بهما. . والله ما علي أحد جناح أن لا يطوف بالصفا والمروة! فقالت عائشة: بئس ما قلت يا ابن أختي. إن هذه الآية لو كانت كما أوّلتها، كانت لا جناح عليه أن لا يطوّف بهما. . . قالت: نزلت الآية في الأنصار، كانوا قبل أن يسلموا يهلّون لمناة. . . وكان من أهلّ لها يتحرج أن يطوف بين الصفا والمروة. . فسألوا رسول الله (صلّي الله عليه وآله وسلّم) عن ذلك، فنزلت الآية.
قالت: وقد سنّ رسول الله (صلّي الله عليه وآله وسلّم) الطواف بينهما، فليس لأحد ان يترك الطواف بينهما. . 2.
فقد أقرّت ان الآية بذاتها لا تدل علي الوجوب، غير أن عمل الرسول (صلّي الله عليه وآله وسلّم) وسنته في الالتزام كان دليلاً علي وجوب الإِتيان به.
وأخرج الترمذي بإسناده عن سفيان قال: سمعت الزُهْري يحدّث عن عروة، قال: قلت لعائشة: ما أري علي أحد لم يطف بين الصفا والمروة شيئاً، وما أبالي أن لا أطوف بينهما. فقالت: بئس ما قلت يا ابن أختي. طاف رسول الله (صلّي الله عليه وآله وسلّم) وطاف المسلمون - وساق الحديث الي قولها - ولو كانت كما تقول لكانت فلا جناح عليه أن لا يطوف بهما. .