16
معبد الانبياء:
ظاهر ما عليه الآية من الاطلاق انَّ البيت الحرام والكعبة المشرّفة كانا اول معبد في تاريخ البشر، بحيث لم يكن لنبي قبلة غير الكعبة.
هذا الاستنتاج نستطيع ان نؤيده من آيات في سورة ((مريم)) . ففي هذه السورة نقرأ عن المسيح: وجعلني مباركاً اينما كُنت واوصاني بالصلوة والزكوة ما دمت حيّاً 28. وذلك علاوة علي ما في سورة من وصايا لانبياء آخرين، حيث يقول - تعالي - بعد ان ذكر عدداً من الأنبياء: أولئك الذين أنعم الله عليهم من النبيين من ذرية آدم وممّن حملنا مع نوح ومن ذرية إبراهيم وإسرائيل وممن هدينا واجتبينا إذا تُتلي عليهم آيات الرحمن خرّوا سُجداً وبكيا29 .
فمسار الانبياء (عليهم السلام) من آدم حتي نوح، ومن نوح حتي ابراهيم، وما بين هؤلاء الأنبياء ومن ذراريهم يمدحهم الله بقوله: إذا تتلي عليهم آيات الرحمن خروا سجداً ومن الواضح أنَّ السجود يستلزم وجود الجهة، سواء أكان المعني السجود بنفسه أو السجود في اطار الصلاة، حيث تقام الصلاة لقبلة بعينها.
علي انَّ الراجح هو قيامهم بالصلاة، كما تؤيد ذلك الآية التي تليها، حيث يقول تعالي: فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلوة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيّا 30.
يتضح مما تقدم انَّ الانبياء كانوا من اهل الصلاة، وانَّ الصلاة والسجود يستلزمان جهةً وقبلة.
وفي مسألة القبلة إما أن نستند إلي قوله - تعالي - فنقول: فأينما تُولّوا فثمَّ وجهُ الله 31 وهو قول بعيد. وإمّا ان نقول بجهةٍ خاصة كانت قبلة لهم.
وما نستفيده من ظاهر الآية في اطلاقها، انَّ الكعبة كانت قبلة الصلاة والسجود لجميع انبياء الله من آدم حتي النبي الخاتم (عليهم السلام) . أما احتمال غير الكعبة قبلة لهم، فهو مما لا يتسق مع ما عليه الآية من اطلاق.
لماذا سميت مكة ببكة؟
قال تعالي: للذي ببكة وقد قيل: إنَّ المقصود ب- ((بكة)) هو مكة، اذ تبديل الميم الي الباء يحدث احياناً نظير ((لازب ولازم)) . بيدَ أنَّ تعليل ذلك لا يكون بالتبديل، وانما: ((لانَّ الناس يَبُكَّ بعضهم بعضاً))32 اثر الازدحام والكثرة عند اجتماع الناس فيها.
و ((بك)) تأتي بمعني التحطيم، فهي بكة لانها تبك اعناق الجبابرة والبغاة اذا بغوا فيها، فتدفعهم.
معني مباركاً:
يقول تعالي في وصف بيته الذي بمكة: مباركاً وهديً للعالمين . والمعني انَّ البيت منشأ الوفير من البركات، وهو وسيلة هداية للناس. وتطلق ((البركة)) علي المال والشيء الثابت، فما له ثبات ودوام فهو مبارك.
من هنا اطلق علي تجمعات الماء في الصحراء انها ((بِركْة)) لما تتسم به من ثبات، ولا نها تحفظ الماء من الهدر فيدوم.
وبتعبير الشيخ الطوسي فانَّ الصدر يسمي ((برك)) ؛ لانَّه المكان الذي تحفظ فيه العلوم والاسرار والافكار وتثبت. وكذا يقال ((بَرَك)) لوَبَر البعير من جهة صدره.
وذات الله مباركة لجهة ثبات خيرها ودوامها.