17اما بالنسبة للبيت فلانه ينعم بالخير والثبات اكثر من الاماكن الاخري فهو يكون ((مباركاً)) ؛ أي وفير الخيرات دائمها. اماكون الكعبة وسيلة هداية للناس كافة، فمرد ذلك إلي انَّ جميع العباد والسالكين يقصدونها؛ ومنها صدعت دعوة الحق الي البشرية جمعاء؛ اذ مِنها انطلق نداء نبينا (صلّي الله عليه وآله وسلّم) : ((لا اله الاّ الله)) الي ارجاء الدنيا، ومنها سيبلغ نداء خاتم الاوصياء المهدي (عليه السلام) اسماع البشرية في اليوم الموعود.
فهي اذاً محضن الحق، تتوفّر علي وسائل كثيرة اخري لهداية الناس.
وفي مكة آيات لله لا تحصي . في آيات بينات.
مقام ابراهيم:
يقول تعالي: مقام ابراهيم لقد ذهب البعض للقول: انَّ ابراهيم (عليه السلام) كما ((كان امة واحدة)) فانَّ مقامه ايضاً بمنزلة ((آيات بينات)) ؛ أي انَّ المقام في آثار اقدام الخليل (عليه السلام) وفير بالمعجزات، حتي اضحي المقام بمنزلة (( امة واحدة)) في باب الاعجاز، كما هو شأن الخليل نفسه.
والسؤال: كيف اضحي ((مقام ابراهيم)) آيات بينات بصيغة الجمع، في حين ان السياق يقتضي التعبير بالمفرد، فيقال: آية بينة؟
ثمة في الجواب عدّة احتمالات، نشير للاول منها من خلال ما يلي:
أوّلاً: لقد تحوَّل الصخر الصلد الي عجين لين، وذلك في حدِّ ذاته آية ومعجزة.
ثانياً: ثمة مكان محدَّد من الصخرة هو الذي لانَ دون البقية.
ثالثاً: انَّ لين الصخرة حصل لعمق وبشكل معين ثم عادت الصخرة - فيما عدا ذاك - لصلادتها.
رابعاً: لقد بذل الاعداء جهوداً محمومة لمحو هذا الاثر، بيدَ انَّه بقي يتطاول علي الزمان محفوظاً من عبث الطغاة.
خامساً: ثمة قوي مولعة بخطف ما يقع بيديها من آثار قديمة في بلاد المسلمين تتسم بطابع فني، أو تحمل خصائص مقدَّسة، ومع ذلك بقي هذا الاثر دون ان تفلح هذه القوي بنقله إلي خارج العالم الاسلامي.
كيف تشكّل الاثر في مقام ابراهيم؟
هل تشكّل الاثر في مقام ابراهيم حين وقف (عليه السلام) علي المكان - الصخرة - اثناء بناء الكعبة؟ أو انَّ الآية حصلت حين عادَ ابراهيم للمرة الثانية فطلبت منه زوجة ولده اسماعيل ان ينزل لتغسل له (رأسه أو رجله) الاّ انَّه لم ينزل وانما وضعَ قدمه علي الصخرة فتركت هذا الاثر؟ أو الاثر انطبع علي الصخر حين اعتلاه الخليل ليؤذّن في الحج امتثالاً لامر الله تعالي: واذّن في الناس بالحج يأتوك رجالاً 33
يمكن ان يكون الاثر قد حصل في جميع هذه الحالات، أو في احداها.
فجميع هذه الوجوه محتمل الوقوع. بيد انَّ ما يهمنا التأكيد عليه هو أنَّ الخليل (عليه السلام) وضع قدميه علي الصخرة فانطبعت آثارهما، وبقيت الآثار حتي اللحظة. أما في أي حالة من الحالات آنفة الذكر تمَّ ذلك، فالامر مُناط للروايات الخاصة التي تتكفل اضاءة المسألة وبيانها.
انَّ هذه الخصيصة التي حصلت لإبراهيم (عليه السلام) ، حيث يحدثنا (سبحانه) في سورة سبإ، بقوله تعالي: وَ لقد آتينا داود منّا فَضلاً يا جبال أوِّبي معه والطّير وأَلنَّا لَهُ اْلحدِيدَ 34. ليس هذا وحده، وانما عُلِّمَ داود صناعة الدروع، حيث يقول تعالي: وَعلّمناه صنعة لبوس 35 لقد كان الحديد البارد الصلد يلين بين يدي داود (عليه السلام) .
وما ينبغي الانتباه اليه انَّ القرآن استعمل ألنَّا في مسألة الحديد، في حين استعمل علمناه في صناعة الدروع. والسر انَّ صناعة الدروع هي جزء من العلوم الحرفية الصناعية التيي يمكن تعلّمها واكتساب المهارة فيها، وبالتالي