15بيد انَّ الحال لم يدم، حيث تم تحويل القبلة الي الكعبة ورسول الله (صلّي الله عليه وآله وسلّم) واقف يصلي في مسجد القبلتين، فاستدار وهو في الصلاة نحو الكعبة.
المسجد الحرام والمسجد الاقصي:
جمعت الآية الكريمة من سورة الاسراء بين المسجد الحرام والمسجد الاقصي، حيث يقول تعالي: سبحان الذي أسري بعبده ليلاً من المسجد الحرام الي المسجد الاقصي الذي باركنا حوله 25.
إن عوامل الارض والمناخ والماء ساهمت جميعاً في إعطاء مزايا لأطراف المسجد الاقصي، كانت سبباً في كثرة النعم والخيرات. ومع ذلك فقد قُدّر لمكة أن تنعم بكل هذه الثمرات والخيرات أو اكثر، رغم أرضها ومائها ومناخها. والسر في وفور الخيرات والثمرات دائماً في مكة هي دعوة الخليل المستجابة وارزقهم من الثمرات.
الفوارق بين الكعبة والمسجد الاقصي:
لقد اضطلع بمسؤولية بناء الكعبة ابراهيم الخليل وهو (عليه السلام) من أولي العزم. بينما اضطلع سليمان (عليه السلام) ببناء بيت المقدس، وهو ليس من اولي العزم، وانما من الحفّاظ الشرائع اولي العزم.
بيد انّ هذا الفارق ليس هو الوحيد بين الكعبة والمسجد الاقصي، وانما ثمة فارق آخر يتمثل بالوعد الإلهي، بحماية الكعبة وحراستها من الأعداء؛ هذا الوعد الإلَهي تحوّل الي سيرة عملية، في حين لا نجد ما يناظر هذا الوعد بالنسبة لبيت المقدس.
فلو أراد أحد ان يتعرض للكعبة لعرّض للاستئصال، كما حماها سبحانه بطيرٍ ابابيل وصانها بمعجزات اخري. أما عملياً فلا نجد مثل هذا الوعد بالنسبة لبيت المقدس، اذ استطاع ((بخت نصر)) ان يهدم بيت المقدس تماماً، إلاّ انَّهُ لم يتعرض لما تعرض اليه ابرهة الحبشي.
بناء الكعبة لمنفعة الناس:
ما نستفيده من ظاهر الآية الشريفة - مدار البحث - انَّ اول بيت وضع لعبادة الناس كان في مكة، وقد وضع لينتفع منه الناس، حيث يقول تعالي: وضع للناس وان كان التعبير في مورد التكليف بالحج جاء قريناً بحرف الجر ((علي)) حيث يقول تعالي: لله عليالناس الاّ اننا سنوضح انَّ العبادة والتكليف لا يمكن أن يكونا ضدَّ الناس ابداً، بل هما لصالحهم دائماً.
لذلك تجد اهل السلوك يعبرون عن التكليف بالتشريف. فالرجل حين يبلغ السادسة عشرة من عمره والمرأة حين تبلغ العاشرة يعبِّرون عنهما انهما قد بلغا سنَّ التشريف (ويعنون به التكليف) واصبحا اهلاً للخطاب الالهي، في حين لم يكونا قبل ذلك اهلاً لتلقي ما ينطوي عليه الخطاب من أحكام نظير قوله تعالي: وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة 26.
وعن الاحكام الإلهية عموماً بما تنطوي عليه من تكليف يقول تعالي: ذلكم خير لكم 27. وانطلاقاً من هذه الزاوية بالذات عُبِّرعن العبادة ب- (( اللام)) .