99ولولاها لما كانت للمسجد هذه الأهمية والعظمة والقدسية، فوجوده من وجودها وكرامته من كرامتها، وقدسيته من قدسيتها، وهي بالتالي المرادة من الآيات، وهي القبلة التي أمرنا اللّٰه تعالى بالتوجه نحوها، وهي قبلة المسلمين قربوا منها أم بعدوا عنها، وسمّي التوجه نحوها استقبالاً.
وليس اتخاذها قبلة يقصد منه التوجه إليها توجهاً دقيّاً، بحيث لو خرج من موقف المصلي خطٌ مستقيم لانتهى - قطعاً - بالكعبة.
نعم قد يكون هذا - واقعاً ومتيسّراً - لمن كان قريباً من الكعبة؛ ولكنه ليس ممكناً بالنسبة لمن كان بعيداً عنها، الذي تصدق عليه المواجهة العرفية دون المواجهة الدقيّة، فما يراه العرف ويدركه بالنسبة لاستقبال المصلي للكعبة ومواجهته لها يكون كافياً، ولا تشترط تلك الدقة في الاستقبال. يقول السيد السبزواري: (الاستقبال والتوجه الى الشيء من المبينات العرفية يكفي فيهما الصدق العرفي، إلّاإذا دلّ دليل شرعي على الخلاف، وحيث لم يرد دليل شرعي على تحديد خاص في جميع ما يعتبر فيه الاستقبال، مع أنّ بيان قيود المكلّف به وحدوده على عهدة الشارع، فيتعيّن أن يكون المرجع هو الصدق العرفي فقط، كما في سائر متعلقات التكاليف التي لم يرد في تحديدها حدّ شرعي، ثم يستدل على قوله بتحول النساء مكان الرجال، والرجال مكان النساء، وجعلوا الركعتين الباقيتين من الظهر الى الكعبة، فبهذا أدوا هذه الصلاة الى القبلتين. .
فيقول: فإن توجه المصلين في أثناء صلاتهم الى القبلة بفطرتهم، وتقرير النبي صلى الله عليه و آله لهم يكشف عن أنه من العرفيات، ويشهد له أيضاً أنه لم يعهد من أحد من المعصومين عليهم السلام ولا من أصحابهم ما هو خارج عن المتعارف بالنسبة الى الاستقبال. ويشهد له أيضاً ذكر المسجد الحرام في الآيات الكريمة، وليس ذلك إلّا لأجل التوسعة لا الدقة 1.
ثم إن المواجهة العرفية هذه تتسع بحسب كيفية المواجهة، فإذا قدر لخمسين