26وأصالتها، وممّا لا ريب فيه أنّ أحد العوامل الفاعلة والمهمة في ثبوت «قطعية» الرسالة وأصالتها، وتحكيم جذورها التاريخية، تكمن في الحفاظ على الآثار المتعلّقة بتاريخ الرسول الأكرم (ص) وجهاده وقيادته وحركته في المجتمع.
فصيانة هذه الآثار على وجه الإطلاق تضفي على الشريعة في نظر غير معتنقيها واقعية وحقيقة، وتزيل عن وجهها أيّ ريب أوشك في صحّة البعثة والدعوة، وجهاد الأُمّة ونضال المؤمنين.
ولقد بذل علماؤنا وسلفنا الصالح جهوداً جبارة، ومساعي مشكورة، في مجال الحفاظ على ذلك التراث المهم، وأوصلوا الأمانة سالمة إلى الأجيال اللاحقة، وبذلك قدّموا خدمات عظيمة للأجيال من خلال ذلك العمل الرائع المتمثّل في صيانة الآثار وحفظها، ممّا كان له أثره الفاعل في النظر إلى الدين الإسلامي نظرة واقعية، وإلى الشخصيات الإسلامية نظرة قطعية لاريب ولا تردّد فيها أبداً.
من هنا يستطيع المسلمون أن يتحدّثوا عن دينهم، ويدعو الناس إليه بقوّة واطمئنان تامّين، ويواجهون العالم و هم مرفوعو الرؤوس، ويقولون: أيّها الناس لقد بعث رجل في أرض الحجاز قبل 1400 سنة لقيادة المجتمع البشري، وقد حقّق نجاحاً باهراً في مهمته، التي استمرت 23 عاماً موزّعة على مرحلتين: 13 عاماً منها في مكة، وعشرة منها في المدينة، و هذه آثار حياته محفوظة تماماً في مكة و المدينة، فهذه هي الدار التي ولد فيها، وهذا مسجده، وهذا البيت الذي دفن فيه، وهذه بيوت زوجاته، وهذا غار حراء الذي كان يتعبّد به، والذي هبط الوحي عليه فيه، وهو في سنّ الأربعين من عمره الشريف، ومنه بدأت حركة الرسالة الإسلامية، فآمنت به طائفة وكفرت أُخرى، وقد واجه في طريق الدعوة أشدّ المصاعب في مكة ممّا اضطره للهجرة