9إنّ الكعبة التي هي قبلة المسلمين، و مطاف الطائفين، و مزار الزائرين، قد نزلت إلى الأرض قرب نزول القرآن إليها، لا كنزول المطر إليها، و يشهد له ما ورد في شأن الحجر الأسود، من أنه يمين الله في الأرض، فمن استلامه فكأنه بايع يمين الله الذي كلتا يديه يمين، مع نزاهته عن الجسم، و برائته عن المادة، و طهارته عن لوث الجسمية، و ما إلى ذلك؛ سبّوحٌ قدّوسٌ ربنا و ربّ الملائكة و الروح.
إنّ الكعبة هي متن القبلة فمن دَخَلَها فهو في عين القبلة بحيث أينما يتوجّه فثَمّ وجهُ الله و لا مَيْز هناك بين الأمام و الخلف و اليمين و اليسار والفوق والتحت إلاّ بالاعتبار، و إلاّ فالجميع قبلة و البيت الذي هذا شأنه فهو مَجْلىً لله المتجلّي فيه، لأنّه تعالى يكون مع الإنسان أينما كان، و كيف كان، و حيث كان، و لا يعمر هذا البيت إلاّ الموحّد الخالص: إِنْ أَوْلِياؤُهُ إِلاَّ الْمُتَّقُونَ . 1و لا يطوف حوله إلاّ العتيق عن حُبّ غير الله، و لا يستقبله إلاّ المستدبر ما سوى الله.
إنّ الكعبة رقيقةٌ للبيت المعمور الذي يَعْمره الملائكة الذين لايعصون الله ما يأمرهم و هم بأمره يعملون، و لا يسبقونه بالقول و يخافون ربّهم من فوقهم، و يسبّحونه و يقدّسونه، و هم المدبّرون العالَم بأمره تعالى، و حيث إنّ البيتَ المعمور بالملائكة أقوى درجة من الكعبة فهو بتمامه أي داخله و سطوحه الخارجة كلها بحيث أينما يتوجّه إليه مَلكٌ مِن الملائكة فثمّ وجه الله.