92والنظر في آثارهم عند تعذر الصحبة، حيث تتصور النفس أعيانهم، وتتخيل مذاهبهم؛ لأنك لو أبصرت لم يبق عندك إلاّ التذكر والتخيل، وكان السمع كالبصر، والعيان كالخبر» . 1وفي ذكر معنى قوله تعالى:
وَلَقَدِ اسْتُهْزِئ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُونَ* قُلْ سِيرُوا فِى الأَرْضِ ثمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ المُْكذِّبِينَ . 2يقول العلاّمة المفسّر أبومحمد عبد الحق بن عطية الأندلسي «ومعنى الآية: سيروا وتلقوا ممن سار، لأنّ تحصيل العبرة بآثار من مضى إنما يستند إلى حس العين» . 3و ثمت الآيات القرآنية العديدة التي تحث على الوقوف على آثار الأمم، وماحلّ بهم لأخذ دروس عملية مشاهدة من الواقع، واسترجاع موقف الأنبياء والمرسلين صبراً في الشدائد، وتحمل أذى قومهم لهم، وأنّ الله لأعدائهم بالمرصاد، ونحن في الوقت الحاضر، وقد تكالبت علينا الأمم أحوج ما نكون إلى دروس الصبر والمصابرة.
تحقيقاً لما ذكره شمسالدين السخاوي، والعلامة المفسر ابن عطية الأندلسى، وغيرهما وتطبيقاً لما سار عليه السلف في هذا الاتجاه، أفرد علماء الأمة ومؤرخوها المؤلفات العديدة عن الآثار النبوية: أماكن، وأدوات، وتحركات، وكل ما يتعلق بالنبي (ص) ، وبجيل الصحابة والتابعين، فأصبحت موضوعاً مهماً في مؤلفات المؤلفين وكتابات الباحثين، تبعاً حيناً، واستقلالاً حيناً آخر.
* * *
3. المتواتر من الأماكن المأثورة فى مؤلفات السيرة النبوية
عرض علماء السيرة النبوية الشريفة للأماكن التاريخية المأثورة في مكةالمكرمة، مما له علاقة بسيرة النبي (ص) ، بعضهم يذكر ما يجزم بالقول به، وبعضهم يذكر كل ما يحكي من أقوال، كما هي عادة المؤرخين، إذ إنّ من وظائف المؤرخ أن يرصد كل ما يقال عن المكان والحدث، بصرف النظر عن صحته، أو عدم صحته؛ لهذا لاينبغى للقارئ الحصيف إذا رأى شيئاً من هذا النوع أن يتشكك فى الحقيقة فيما لو ذكرت