53و من الرواتب ما يحتاجه الإنسان كلّ سنة مرّة، وهو صيام شهر رمضان في كلّ عام، فإنّ هذه الفريضة الرتيبة تتكرر على الإنسان في كلّ عام مرّة واحدة، شهراً كاملاً.
و من الرواتب ما يحتاجه الإنسان في العمر مرة واحدة - بالضرورة - وماعدا ذلك يخرج عن دائرة الضرورة، ويدخل في دائرة الندب، وهو الحج؛ فإنّ الحج يجب على المرء مرة واحدة في العمر.
و معنى ذلك أنّ الخزين النفسي الذي يكتسبه الحاج في رحلة الحج يكفي لرحلة العمر كله، إذا حافظ عليه الحاج، ولم يهدره، وأنّ التعبئة الروحية والنفسية والسلوكيّة الّتي يكتسبها الحاج في هذه الرحلة، تعبئة عالية تكفي لرحلة العمر كلّها، إذا حافظ عليها الحاج، وحرص على تنميتها.
كيف يتناقص خزين الحج فى ساحة الحياة؟
إذن البحث عن الوسائل التي تمكّن الحاج من المحافظة على المكاسب التي اكتسبها في الحج، من المسائل الضرورية التي لابدّ أن يعرفها الحاج بعد العودة من الحج.
ومن الضروري أن نتساءل، ونعرف كيف يحافظ الحاج على هذه الذخيرة الغالية التي اكتسبها في الحج، عند ما يعود إلى بلده، وداره، وأسرته، ويعود إلى السوق، وينزل إلى الشارع، ويختلط بالنّاس، ويعاشرهم، ويدخل فيما يدخل فيه النّاس من شؤون دنياهم؟
فما أكثر الذين أهدروا هذه الثروة العظيمة التي اكتسبوها في الحج، في أقل من شهر، بعد أن عادوا إلى بلدهم، وأهلهم، وعشائرهم، وتجارتهم، وأعمالهم التي يمارسونها، لإدارة معيشتهم في الدنيا، وعلاقاتهم الاجتماعية.
و الشيطان إذا فشل في إفشال مشروع الحج في تكامل الحاج، وتعبئته النفسية العالية التي تبلغ ذروتها في (عرفة) ، فإنه يتحوّل إلى الدور الثاني في إحباط مكاسب الحج عندما يعود الحاج إلى حياته المألوفة في (البيت) و (الشارع) و (السوق) ، وهي المراكز الثلاثة لحضور النّاس في الحياة الدنيا.
و نقصد بالبيت، الحياة العائلية التي هي أحد أركان حياة الإنسان، ونقصد بالشارع، العلاقات الاجتماعية ( العلاقات العامة) ، ونقصد بالسوق، العمل الذي يدر معيشة الإنسان في السوق، أو في الحقل، أو في المصنع، أو في دوائر الدولة، في البر أو البحر.
و لهذه المراكز الثلاثة دور كبير في استهلاك الخزين النفسي الذي يختزنه الحاج في الحج، وإحباط الحالة التعبوية النفسية العالية، التي يكتسبها في هذه الرحلة.
إنّ الشيطان يبذل جهداً كبيراً لتسريب خزين الحج، في تعامل الحاج في البيت، والسوق، والشارع، مع أهله، ومن خلال تجارته، وعلاقاته الاجتماعية؛ تماماً كما تتسرّب الحرارة عند ما تكون في وسط بارد فاقد للحرارة، في الأجسام الصلبة، وفي السوائل والغازات، ما لم يحفظ الحرارة جدار عازل، يحفظ الحرارة من التسرّب.