27إشارة: جرت سنّة العرب وعادتهم على أنه إذا غضبوا من شخص غضباً استثنائياً، فإنهم يرجمونه في حياته ومماته، كما حصل مع أبي رغالة، قائد جيش أبرهة، فقد مات قبل الوصول إلى مكة، فعمد الناس إلى رجم قبره، وكذلك جرير الذي كان منافساً للفرزدق، نجده يقول:
إذا مات الفرزدق فارجموه
كما ترمون قبر أبي رغال. 1
ذبح الأضاحى
يجب على الحجاج بعد رمي جمرة العقبة، وقبل حلق رؤوسهم، أو التقصير، ذبح بقرة أو غنم أو نحرجمل أضحية يوم العيد، قال تعالى: وَ لا تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ. . . فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ 2.
إنّ هذه السنّة الإلهية الخاصّة في الحج توجب تقرّباً خاصاً قلّما نجده في أيّ عبادة أخرى.
وتوضيح ذلك أنّ الذبح أو النحر، لم يسلما في الجاهلية من لوث الشرك، بل كانا كالتلبية، 3وصلاة المشركين، 4ممزوجين بالشرك، فطريقتهم أنهم بعد الذبح أو النحر كانوا يلطخون الكعبة بدم الأضحية، ويعلّقون قسماً من لحمها على الكعبة حتى يقبلها الله تعالى! 5أما الإسلام، فقد جعل للأضحية حرمة خاصة، بحيث لا يجوز إحلالها، قال تعالى: لا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللهِ وَ لاَ الشَّهْرَ الْحَرامَ وَ لاَ الْهَدْيَ وَ لاَ الْقَلائِدَ 6ولإبعاد سنّة الجاهلية، وبياناً للتقرّب الناتج عن تقديم الأضحية، ربما سميت الأضحية أضحيةً، قال تعالى: لَنْ يَنالَ اللهَ لُحُومُها وَ لا دِماؤُها وَ لكِنْ يَنالُهُ التَّقْوى مِنْكُمْ . 7لأنّ هذه الآية الشريفة طهرت الكعبة من سنن الجاهلية التي أشرنا إليها، كما طردت التوهم القائل: « بما أنّ الله لايحتاج للعالم وللناس، فلا يجب النحر والذبح على الحاج!» وذلك أنها شرّعت أصل التضحية رغم أنّ الله لايحتاج إلى لحومها، فالذي يصل إلى الله تعالى روح الفعل ولبّ العمل، أي التقوى، لا اللحم ولا الدم.
ومن حيث إنّ التقوى نعت وصفة خاصة تتحد مع المنعوت، فلافرق وجوديّ بين التقوى، ونفس المتقي المتحد معها، وعليه فإذا بلغت التقوى أوجها وكمالها، ووصلت - بالمعنى المعقول - إلى الله تعالى، فهذا