174. يقع على جانب من أرض عرفات يماسّ الحرم جبلٌ يسمى ب- «نمرة» وفي تلك المنطقة مسجد يأخذ هذا الإسم أيضاً، إنّ معنى الحضور في نمرة هو: يا الله! لا آمر بشيء إلاّ أن أكون مؤتمراً به قبل ذلك، ولا أدع شيئاً إلاّ وأكون قد حذرته من قبل وتجنبته.
لم ترد في شروط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أن يكون الآمر والناهي عادلاً طاهراً النفس، وإنّما المطلوب هناك هو العلم بالمعروف والمنكر، واحتمال التأثير في الأمر والنهي؛ إلاّ أنّه باطن ذلك يرجع وفقاً للأساس الذي يقوم عليه سرّ الوقوف في (نمرة) ؛ إنّ العدالة، أي أنّ على الآمر بالمعروف أن يأتمر بما يأمر به، والناهي عن المنكر أن ينزجر عما ينهى عنه.
5 - على الحاج عند حضوره في وادي «نمرة» المعبّر عنه في حديث الشبلي ب- «نمرات» أن يدرك أنّ هذه الأرض هي أرض شهادة ومعرفة وعرفان، أي كما أنّ الله تعالى وملائكته شاهدون، فإنّ هذه الأرض الواسعة هي أيضاً شاهدة على أعمال زوار بيت الله الحرام، وتعلم بأي نية أتى بها؟ وبأي دافع يرجع؟ بماذا تشهد؟
عرفات أرض الدعاء
يتضح دور الدعاء في الوصول إلى الرحمة الإلهية الواسعة من خلال كلام الإمام الصادق (ع) ، حيث قال: «الدعاء كهف الإجابة كما أنّ السحاب كهف المطر» ؛ 1فكما أنّ السحاب مقرّ المطر، كذلك الدعاء مقرّ الإجابة وموطنها، وبعبارة أخرى: الإجابة تقع في داخل الدعاء، تماماً كمايستقرّ المطر ويخزن في الغمام.
إنّ حالات الحياة كلّها مناسبة للدعاء والتضرّع، إلاّ أنّ فترة الحج الزاخرة المعطاءة والحضور في مواقفه يمنع الدعاء هيبةً وعظمةً، ويقدم له تأثيراً إضافياً وافراً، فكما أنّ الدعاء من ضمير صاف مورد للقبول، وللإحرام وصوب الكعبة الحرّ الطاهر أثراً خلاقاً في تصفية هذا الضمير، لذلك كان للتضرّع في الحج والدعاء في مواقفه أفضل الآثار وأسماها، من هنا كان لكل برنامج في الحج قوانينه ونظمه الخاصة في مجال الدعاء، وعمدة ذلك كلّه هو دعاء عرفة في صحراء عرفات.
يوم عرفة هو يوم الدعاء والتضرّع، فصحيح أن صيام هذا اليوم مستحبّ إلاّ أنه لو كان الصوم موجباً لحصول الضعف للإنسان بحيث لا يتمكن من الدعاء، فإنّ الدعاء يكون مقدماً على الصيام حينئذ. 2لقد نقلت لنا روايات كثيرة حول أعمال يوم عرفة وعند الوقوف في عرفات، لاسيما فيما يخص كيفية الدعاء، حيث تتحدث بعض هذه المرويات عن خصوص أدعية ذلك اليوم فيما يتحدث بعضها الآخر عن الترغيب في الدعاء للآخرين، حتّى أنّ بعض تلامذة أهل بيت العصمة والطهارة (عليهم السلام) كان كلّ همّه في هذا اليوم في تلك الأرض التي تستجاب فيها الدعوات أن يدعو لغيره.
ينقل علي بن إبراهيم في هذا المجال عن والده إبراهيم بن هاشم أنه قال: رأيت عبدالله بن جندب في الموقف، فلم أرَ موقفاً كان أحسن من موقفه، مازال مادّاً يديه إلى السماء، ودموعه تسيل على خديه حتّى تبلغ الأرض، فلما صدر الناس قلت له: يا أبا محمد ما رأيت موقفاً قط أحسن من موقفك، قال: والله ما