16غبراً، قد فارقوا شهواتهم وبلادهم وأوطانهم وأخدانهم ابتغاء مرضاتي، ألا فانظروا إلى قلوبهم وما فيها، فقد قويت أبصاركم يا ملائكتي على الاطلاع عليها، فتطلع الملائكة على قلوبهم فيقولون. . .» . 1تملك الملائكة بعض الاطلاع على الغيب، وعندها معلومات عن الكثير من مسائل ما بعد الطبيعة، إلاّ أنّ ستر الحقّ تعالى ولطفه ورحمته لا يسمحان للملائكة - من أولئك المعنيين بتسجيل أعمال البشر وخواطرهم - بفهم الكثير من أسرار الناس، إلاّ أنّه وفقاً للحديث المتقدم يطلع الملائكة في يومي عرفة والعيد بإذن من الله تعالى على خفايا قلوب الزائرين، ويرون أنّ قلوب بعض الحجاج سوداء جداً تتعالى منها خيوط الدخان الأسود، وهنا يقول الله سبحانه للملائكة: أولئك الذين لم يصدّقوا النبي (ص) ولم يعتبروه صادقاً - والعياذ بالله - ويقولون عن بعض ما يتصل بخلافة أميرالمومنين علي (ع) : إنّ رسول الله (ص) لم يفعل ذلك ولم يصدر منه هذا! ثم يرى الملائكة فريقاً آخر قلوبهم نيّرة، وهنا يقول الله سبحانه: إنّ هؤلاء كانوا يطيعون الله ورسوله، ويعتبرون النبي (ص) أميناً على الوحي وأنه لم يقل شيئاً من عنده، وأنّ كل ما قاله وأتى به - بما في ذلك الإمامة والقيادة من بعده - إنّما صدر عنه طبقاً لما جاءه من الوحي.
وسرّ ذلك كما أسلفنا فيما مضى، أنّ الولاية هي سرّ الأعمال كافة، فالمؤمنون الحقيقيون يبلغون سرّ الولاية، فيصلون أسرار الحج، فيظهرون في أرض عرفات بصورة الإنسان الواقعي، فيفتخر الله بهم في مقام الفعل.
نعم، إنّ ما جاء في الحديث الشريف ليس قضيّة تاريخية، وليس من نوع «قضية في واقعة» ينحصر بمراسم الحج وأيام عرفة، وعيد الأضحى، إنّ هذا المشهد مستمر متواصل، غايته أنّ ظهوره التام يكون في الحج.
3. يصعد 2بعض الحجاج يوم عرفة على «جبل الرحمة» 3، والسّر في الصعود أعلى الجبل أن يعلم الإنسان أنّ الله تعالى رؤوف رحيم بكل مسلم من ذكر أو أنثى و أنه متوليهم، فالله وإن كانت له بالنسبة للجميع ولاية تكوينية وهو وليّ الجميع 4، ومع أنّ رحمته عامة وشاملة للموجودات كافة، 5إلاّ أنّ له رحمة خاصّة بالمتقين، قال سبحانه: وَ رَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُها لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَ يُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَ الَّذِينَ هُمْ بِآياتِنا يُؤْمِنُونَ 6