184. . إلى حفرة تختزن و لو قطرات ماء. . غدت هذه الصابرة، مهرولة بين الصفا و المروة، يأخذها سراب هناك، ثم سراب آخر مشابه هناك، و قضت وقتها و جهدها و كدحها بين سرابين. . و بكاء طفلها يقطع نياط قلبها، يبست شفتاه، و غارت عيناه كلما أكل الظمأ أحشاءه. . . و ليس لها سواك يا رب، يا من رحمته وسعت كل شيء، يا رحيم، يا رحمن، يا رب أنت المغيث، و لا أحد غيرك يغيث، يا الله. . يا غوثاه. .
لمتفقد الأمل. . و بصرها يتنقل بين السماء و الأرض. . و إذا بهاجس يدفعها لتسرع إلى وليدها الحبيب، و قد تفجرت عين ماء تحت ضربات قدميه الناعمتين. . ، ليحيا بها ذلك الوادي، بل الحياة كلها. .
يقول سيد قطب في الآية 28 الحج: " و طيف هاجر، و هي تستروح الماء لنفسها و لطفلها الرضيع في تلك الحرة المتلهبة حول البيت، و هي تهرول بين الصفا و المروة، و قد نهكها العطش، و هدّها الجهد، و أضناها الإشفاق على الطفل؛ ثم ترجع في الجولة السابعة، و قدحطمها اليأس، لتجد النبع يتدفق بين يدي الرضيع الوضيء؛ و إذا هي زمزم، ينبوع الرحمة في صحراء اليأس والجدب ".
و كأيّ إنسان يأخذه الحرص، خافت الأم على الماء أن يتسرب بين ذرات رمال، تضيعه، فأحاطت حواف الحفرة و أطرافها برمال و زمتها، و لو تركته يسيل لملأ الوادي بسعته المترامية الأطراف، و الله أعلم بغزارتها، و الدليل أنها " بئر زمزم " المعروفة التي يستقي منها الملايين كل عامٍ و لا تنضب. .