80
فقه الحج الضرورات و الحاجات(1)
حيدر حب الله
تمهيد
تعدّ فريضة الحج من الفرائض الكبرى في الإسلام، و هي أحد الأركان الخمسة التي بني عليها هذا الدين، فقد جاء في الرواية التي تعدّدت طرقها عند السنّة و الشيعة : «بني الإسلام على خمس: الصلاة، و الزكاة، و الحج، والصوم، والولاية...» 1.
أو «بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلاّ الله و أن محمداً رسول الله، و إقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والحج، و صوم رمضان» 2.
ومهما اختلفت صيغ هذا الحديث عند السنّة و الشيعة، و هو حديث دعائم الإسلام، فإن الحج إلى بيت الله الحرام، يمثل القاسم المشترك بين صيغه إلى جانب بعض الفرائض الأخرى، و هذا ما يعطي للحج أهمية إضافية، إذ تجعله بمثابة العمود الذي يقوم عليه البناء، كما يقوم على الشهادتين و الصلاة والولاية و...
و من منطلق الأهمية التي يحظى بها الحج في النصوص الإسلامية و التراث الإسلامي، يبدو من الضروري أن يكون للفقه الإسلامي دوره في الاهتمام بهذه الفريضة العظيمة، و أن تكون للفقه مساهمةتعطي هذه الفريضة مكانتها الطبيعية التي يخبرنا عنها حديث الدعائم، كما نفهمها قبل هذا الحديث من ذيل الآية الكريمة التي تشرّع هذه الفريضة، وحيث قال تعالى: (...وَ مَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللّٰهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعٰالَمِينَ ) 3.
وكأنني أريد هنا أن أضع ميزاناً لقيمة فقه الحج الذي يمارسه الفقيه المسلم؛ فإذا قدّم الفقه حجاً مفرّغاً من كل قيمة يساعد على تهاوي الإسلام و المسلمين، و يعزّز من تخلّف الأمة الإسلامية؛ فلن يكون هذا الحج هو الحج الإبراهيمي المحمدي؛ لأن هذه الحالة التي يعاني منها لن تضعه في مصاف العبادات التي يقوم عليها الإسلام الذي قدّم الإنسان و حرّره، وصنع منه حضارةً كبرى في تاريخ الإنسانية؛ و هذا ميزان و مؤشر لصواب حركة الفقه الإسلامي في نتائجه.
ونحاول هنا أن نتحدّث عن حاجات الدراسات الحجية المعاصرة؛ و نقدّم بعض الملاحظات العابرة، رغبةً في المساهمة بتفعيل دور هذه الدراسات لخدمة الأهداف الكبرى للشريعة الإسلامية.
الحج وفقه النوازل والمستحدثات
يواجه الفقه الإسلامي على الدوام طوارئ و مستجدات تحصل في الواقع؛ و تلحّ عليه أن يجيب عنها، و تسمّى هذه المستجدات في الفقه الشيعي بمستحدثات المسائل، فيما يغلب في الفقه السني تسميتها بفقه النوازل، و في العصر الحديث و نتيجة التحوّلات الكبرى في العالم على مختلف الصعد و المجالات، ظهرت مستحدثات كثيرة، ولكثرتها تكاد تكون أرهقت الفقه الإسلامي و أتعبته، ففي المجال الطبي تظهر كل سنة وقائع جديدة تطالب الفقهاء بالجواب عنها، و في المجال الاقتصادي لاتكاد تقف كرة الثلج المتدحرجة لتكبر يوماً بعد يوم في حجمها وإيقاعها و هكذا...
و لم يكن الحج و العمرة بمعزل عن هذا الواقع الجديد، فالكثرة السكانية في العالم فرضت واقعاً جديداً على الحج، وحاجات حماية الحجيج استدعت هي الأخرى جملة من الأحداث التي لم تكن من قبل و هكذا.. . من هنا دخل فقه الحج إطار المستحدثات و ظهرت فيه مسائل من نوع الجمرات، و حدود الذبح، و الإحرام من الطائرة، و غير ذلك الكثير.
وهذا يعني ليس أن يقوم الفقيه بالجواب عن الاستفتاء في هذا المستجدّ الحادث فحسب، بل الأهم من ذلك أن تقدّم دراسات حقيقية تكشف عن اهتمام جاد بهذه الموضوعات، و إذا قلت: «اهتمام جاد» فقد أكون تسامحت في التعبير، حيث كان المقصود ما هو أزيد من ذلك، وهو إعطاء هذا النوع من الموضوعات الأولوية الأولى في الأبحاث الفقهية المتخصّصة، فإذا استجدّ أن وسّع المسعى كان من المطلوب التسارع لتوجيه دعوات إلى الفقهاء والفضلاء كي يلتقوا لتقديم دراسات تستعين بوثائق التاريخ و الجغرافيا كي ينجم عن تضارب الآراء في هذه الجلسات و عن عصف الأفكار شيء مركز مدروس، و لا يكتفى بأن يقوم فقيه واحد أو عالم واحد هنا أو هناك بكتابة دراسة في كتاب أو مجلّة، فإذا كان هذا العالم جزاه الله خيراً قد قام بواجبه فإن المطلوب أن تشكّل لجان تتابع مستجدات المسائل في فقه الحج، كي تعرضها بشكل دوري متواصل على الفقهاء والمختصّين ليساهموا في بحثها بشكل جماعي؛ لأن هذا الشكل يساعد على تنضيج الأفكار و رقيّها.
ما هي أهمية أن أجلس عشر أو عشرين سنة أدرّس فقه الحج و في داخل هذا الدرس التكرار للماضي و البحث في قضايا لا تأخذ أولويةً اليوم؟! فلماذا لا تكون دروسنا قائمة على مستجدات المسائل، ليكون هناك الجواب العلمي المدروس لكل نازلةٍ في أقرب وقت ممكن؟ فلو سرنا اليوم في