32وفي السنن الكبرى عن رجلين من بني بَكرٍ قالا: رأينا رسول الله(ص) يخطبُ بين أوسط أيّام التشريق، و نحن عند راحلته و هي خطبة رسول الله(ص) التي خطب بمنى 1.
وقال أيضاً: أخبرنا عليّ بن أحمد بن عبدان، أنبأ أحمد بن عبيد الصفّار، [حدّ]ثنا أبو مسلم إبراهيم بن عبدالله . وأخبرنا أبو نصر عمر بن عبدالعزيز بن عُمر بن قتادة النعمانيّ، أنبأ أبو عمرو إسماعيل بن نُجيد السُّلمي، أنبأ أبو مسلم إبراهيم بن عبد الله البصري، [حدّ] ثنا أبوعاصم، عن ربيعة بن عبدالرحمن بن حصن الغنويّ، حدّثتني سرّاءُ بنت نبهان و كانت ربَّة بيتٍ في الجاهلية قالت: سمعت رسولالله(ص) يقول في حجّة الوداع: «هل تدرون أيُّ يومٍ هذا؟».
قال: و هو اليوم الذي يدعون يوم الرؤوس.
قالوا: الله و رسوله أعلم.
قال: «هذا أوسط أيّام التشريق، هل تدرون أيّ بلدٍ هذا؟».
قالوا: الله و رسوله أعلم.
قال: «هذا المَشْعَرُ الحرام» . ثمّ قال:«إنّي لا أدري لعلّي لا ألقاكم بعد هذا، ألا و إنّ دماءكم و أموالكم و أعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا، في بلدكم هذا حتّى تلقوا ربّكم فيسألكم عن أعمالكم، ألا فليُبَلِّغْ أدناكم أقصاكم، ألا هل بلّغتُ؟» فلمّا قدمنا المدينة لم يلبث إلاّ قليلاً حتّى مات(ص) . ثمّ قال: رواه محمّد بن بشّار عن أبي عاصم بهذا الإسناد و قال: قالت: خطبنا رسول الله(ص) يوم الرؤوس 2.
وفي مسند أحمد بن حنبل عن أبي نضرة قال: حدّثني من سمع خطبة النبي(ص) في وسط أيّام التشريق فقال: «يا أيّها الناس! إنّ ربّكم واحد، و إنّ أباكم واحد، ألا لا فضل لعربيّ على عجميّ، و لا لعجميّ على عربيّ، و لا لأحمر على أسود، و لا لأسود على أحمر إلاّ بالتقوى . أبلّغت؟» قالوا: بلّغ رسول الله(ص) .. . إلى آخر الحديث 3.
و قد روى في دعائم الإسلام عن الإمام جعفر الصادق(ع) ، عن الإمام عليّ (ع) قال:
سمعت رسول الله(ص) يخطب يوم النحر و هو يقول: «هذا يوم الثجّ و العجّ . و الثجّ: ما تهريقون فيه من الدماء، فمن صدقت نيّته كانت أوّل قطرة له كفّارة لكلّ ذنب . و العجّ: الدعاء، فعجّوا إلى الله، فوالّذي نفس محمّد بيده لا ينصرف من هذا الموضع أحد إلاّ مغفوراً له إلاّ صاحب كبيرة مصرّاً عليها لا يحدِّث نفسه بالإقلاع عنها» 4.
ويُعتقد أنّ هذه الخطبة قد قالها(ص) بمنى يوم النحر في حجّة الوداع، كما يدلّ على ذلك لفظة «هذا الموضع» .
ولكن يحتمل أن يكون قد ألقاها يوم عيد الأضحى بالمدينة المنوّرة في عام من الأعوام، و مراده من «هذا الموضع» مصلّى العيد و مكان الخطبة و مجمع المسلمين، ولكن روايات البيهقي صريحة في أنّه أوردها بمنى يوم النحر في حجّة الوداع.
فقد روى البيهقي بسنده عن أبي بكرة قال: خطبنا رسول الله(ص) يوم النحر فقال: «لا ترجعوا بعدي كفّاراً يضرب بعضكم رقاب بعض».
و فيه أيضاً بسنده عن الهرماس بن زياد قال: رأيت النبي(ص) و أنا صبيّ أردفني أبي يخطب الناس بمنى يوم الأضحى على راحلته.
و فيه أيضاً بسنده عن أبي أمامة سمعت أبا أمامة يقول: سمعت خطبة رسول الله(ص) بمنى يوم النحر.
و فيه أيضاً بسنده عن رافع بن عمرو المزني قال: رأيت رسول الله(ص) يخطب الناس بمنى حين ارتفع الضحى على بغلةٍ شهباء، و عليّ يُعَبّرُ عنه، والناس بين قائم و قاعد 5.
و روى الصدوق بسنده عن أبي أمامة يقول: سمعت رسولالله(ص) يقول:«أيّها الناس إنّه لا نبيّ بعدي، ولا أُمّة بعدكم، ألا فاعبدوا ربّكم، و صلّوا خمسكم، وصوموا شهركم، وحجّوا بيت ربّكم، و أدّوا زكاة أموالكم طيّبة بها أنفسكم، و أطيعوا ولاة أمركم تدخلوا جنّة ربّكم» 6.
فهذه الرواية وإن لم تكن فيها دلالة على أنّ هذا الكلام صدر من النبي(ص) في حجّة الوداع، لكن الروايتين الأُخريين تدلاّن على ذلك، فإنّ أحمد بن حنبل في مسنده و الحاكم في المستدرك قد زادا فيما روياه: يقول أبو أمامة: سمعت رسولالله(ص) يخطب الناس في حجّة الوداع، و هو على الجدعاء واضع رجله في غراز الرحل يتطاول يقول: ألا تسمعون؟ فقال رجل من آخر القوم: ما تقول؟ قال: اعبدوا ربّكم.. . إلى آخر الحديث 7.
5- خطبته(ص) في مسجد الخيف
روى الكليني عن عدّة من أصحابنا، عن أحمد بن محمّد بن عيسى، عن أحمد بن محمّد بن أبي نصر، عن أبان بن عثمان، عن ابن أبي يعفور، عن أبي عبدالله(ع) : أنّ رسولالله(ص) خطب الناس في مسجد الخيف فقال:« نَضَّر الله عبداً سمع مقالتي فوعاها و حفظها و بلّغها من لم يسمعها، فربّ حامل فقهٍ غيرُ فقيهٍ، و ربّ حامل فقهٍ إلى من هو أفقه منه، ثلاث لا يغلّ عليهنّ قلب امرئٍ مسلم: إخلاص العمللله، و النصيحة لأئمّة المسلمين، و اللزوم لجماعتهم، فإنّ دعوتهم محيطة من ورائهم، المسلمون إخوة تتكافأ دماؤهم، و يسعى بذمّتهم أدناهم».