108وانتقلت السيادة على الحجاز إلى العثمانيين، وبالتالي رعاية الحرمين الشريفين بمكة المكرمة والمدينة المنورة، وصار السلطان العثماني يلقب بخادم الحرمين الشريفين، وعلى الرغم من السيادة العثمانية على الأمصار كافة إلا أن بلاد مصر كولاية عثمانية ظلّت تتولى عمارة المسجد الحرام بأموال ومواد بناء ومهندسين وعمال مصريين، أجريت العمارة الأولى بعد زوال دولة المماليك على المسجد الحرام عام 979 ه- / 1571 م، حين رأى السلطان سليم الثاني أن يجدّد سقف الأروقة الأربعة للمسجد الحرام، وفي عهد السلطان أحمد (1012 ه- 1022 ه) حدث تصدع في جدران الكعبة وكذلك في جدار الحجر، وكان من رأي السلطان هدم بناء الكعبة وإعادة بنائها من جديد، إلا أن المهندسين أشاروا عليه بدلاً من ذلك بعمل نطاق من النحاس الأصفر المطلي بالذهب، واحد علوي وآخر سفلي، ورغم ذلك لم تصمد الكعبة طويلاً وتهدمت جدرانها عقب أمطار غزيرة عام 1039 ه، فأمر السلطان مراد الرابع بتجديدها على أيدي مهندسين مصريين عام 1040 ه.
وكنتيجة للعمائر المختلفة التي تمت بالكعبة المشرفة في العهد العثماني، صار الحرم مستطيلاً أقرب إلى التربيع، وأصبحت المظلات التي تحيط بالمطاف من ثلاثة أروقة مقامة على صفوف من العقود والأعمدة الرخامية،ويغطي كل تربيع قبة ضحلة مقامة على مثلثات كروية، وتقوم الكعبة في وسط المسجد الحرام من الخارج في المتوسط 192 متراً وعرضه 132 متراً، وكان بخارج المطاف سقائف ثلاث على أعمدة من الرخام تواجه إحداها الجانب الغربي وكان يصلي بها إمام المالكية، والثانية تواجه الجانب الشمالي ويصلي بها إمام الحنفية، والثالثة تواجه الجانب الجنوبي ويصلي بها إمام الحنابلة، أما إمام الشافعية فكان يصلي خلف مقام إبراهيم.
وبجوار المطاف في شرقي الكعبة نجد المنبر الرخامي، وكان قد بعث به السلطان سليمان عام 966 ه- إلى المسجد الحرام حيث أقيم بدلاً من المنبر الخشبي، وكان هذا المنبر مصنوعاً بدقة وإتقان يشعران برقي الصناعة في ذلك العصر .
الأسماء
هناك أسماء كثيرة ذكروها لمكة المكرمة، ولكثرتها ذكر قطب الدين النهرواني أن الفيروزآبادي قد صنف رسالة مفصلة في ذكرها كما في الإعلام بأعلام بيت الله الحرام، وأن النووي قال في هذا الخصوص: إننا لا نعرف من بين المدن ما يضاهي مكة والمدينة بكثرة الأسماء، ورد هذا في معجم البلدان، وجامع اللطيف . وحتى أن محمد مهدي فقيهي انتهى به التقصي للوقوف على سبعين اسماً من أسماء مكة كما في مقالته في العدد الأول من مجلة ميقات الحج «أسماء مكة» صفحة 187.
وهنا نكتفي بذكر عدد من أسمائها:
مكة، وبكة، والبيت العتيق، والبيت الحرام، والبلد الأمين، والمأمون، والمقدسة، والناسّة بالنون، وبالباء أيضاً والحاطمة، والنساسة والرأس، وكوثى أو كوثاء، والبلدة، والبَنِيَّة، والكعبة.
وقد ورد منها أربعة في القرآن الكريم:
مكة كما في سورة الفتح24:
(وَ هُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَ أَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ وَ كٰانَ اللّٰهُ بِمٰا تَعْمَلُونَ بَصِيراً).
وكذلك وردت بصيغة بكة، كما في الآية96 من آل عمران:
(إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنّٰاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبٰارَكاً وَ هُدىً لِلْعٰالَمِينَ ) .
ووردت باسم أم القرى في الآية 92 من سورة الأنعام :
(وَ هٰذٰا كِتٰابٌ أَنْزَلْنٰاهُ مُبٰارَكٌ مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَ لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرىٰ وَ مَنْ حَوْلَهٰا).
كما وردت باسم البلد الأمين كما في الآية 3 من سورة التين:
(وَ التِّينِ وَ الزَّيْتُونِ وَ طُورِ سِينِينَ وَ هٰذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ ).
وفي سبب تسميتها ببكة وجوه إضافة إلى ما ذكرناه في اللغة أعلاه :
1- لقلة مائها وزرعها وقلة خصبها، فهي مأخوذة من مككت العظم إذا لم تترك فيه شيئاً . وهو قول الأنباري.
2- لأن من ظلم فيها مكّه الله، أي استقصاه بالهلاك.
3- لأنها وسط الأرض كالمخ وسط العظم .وهو قول الخليل بن أحمد .