982 - عن محمّد بن عبدالله بن الحارث بن نوفل، أنّه سمع سعد بن أبي وقّاص والضحّاك بن قيس وهما يذكران التمتّع بالعمرة إلى الحجّ، فقال الضحّاك بن قيس: لا يصنع ذلك إلاّ من جهل أمر الله تعالى. فقال سعد: بئس ما قلت يابن أخي، فقال له الضحّاك: فإنّ عمر بن الخطّاب قد نهى عن ذلك، فقال سعد: قد صنعها رسول الله(ص) وصنعناها معه 1.
3 - وسأل رجل من أهل الشام عبدالله بن عمر عن عمرة التمتّع، فقال: إنّه حلال وجائز. فقال السائل: لكن أباك نهى عنها. فقال ابن عمر: ما ظنّك لو أنّ أبي نها عن عمرة التمتّع ورسول الله(ص) أمرنا بها، هل تتّبع رأي أبي أم حكم رسول الله(ص)؟ فقال الرجل الشامي: بل المتّبع أمر رسول الله(ص)، فقال ابن عمر: فاعلم أنّ رسول الله(ص) قد أمر بذلك.
سبب تشريع عمرة التمتّع في أشهر الحجّ
اتّضح من خلال ما تقدّم إجمالاً أنّ عمرة التمتّع شُرّعت في عام حجّة الوداع وبعدها بفترة قصيرة توفّي النبيّ(ص)، وفي النتيجة بقي هذا الحكم الشرعي سنّةً وذكرى لرسول الله(ص) وهو إلى اليوم باق على قوّته واعتباره، لأنّ مخالفة عدد محدود من الصحابة ومنهم عمر وعثمان لم تستطع الإخلال بأصالة هذا الحكم ولم تشكِّل خطراً جدّياً عليه حتّى في أوساط أهل السنّة، لكن ما هو سبب تشريع هذا الحكم؟
ولكي يتّضح المطلب نقول: إنّه يظهر من الروايات التاريخيّة بأنّه كان الناس في الجاهلية يُحرمون بنية الحجّ الخالص فقط في أشهر الحجّ ويبقون في حالة الإحرام إلى يوم عيد الأضحى - الذي يحصل فيه التضحية والحلق أو التقصير - ثمّ يقصدون لزيارة بيت الله أيضاً لأداء مناسك العمرة في الأشهر الاُخرى وخصوصاً شهر رجب، وكانوا يعتقدون بأنّه إذا التأم جرح ظهر الدابّة التي حجّ عليها ونبت عليها الوبر وحلَّ شهر صفر فإنّه يجوز أداء العمرة حينئذ 2. لكن أداء مناسك العمرة هذه كان يسبّب مشاكل للحجّاج من ناحيتين هما:
1 - تعدّد السفر إلى مكّة؛ بمعنى أنّ الراغبين في الحجّ والعمرة يلزمهم أسفار متعدّدة، ففي أشهر الحجّ يأتون إلى مكّة بنيّة الحجّ، وفي الأشهر الاُخرى وخصوصاً شهر رجب يأتون بنيّة العمرة. وبالطبع فإنّ هذا يسبّب مصاعب ومشاقّ لكثير من الحجّاج من ناحية نفقات السفر أو البُعد ومخاوف الطريق، وأنّ الاتّساع التدريجي للأراضي الإسلامية وازدياد عدد المسلمين قد زاد من حجم المشاكل، وكان يمكن في النتيجة أن يؤدّي إلى فوات مراسم العمرة، والحال أنّه يظهر من بعض الروايات إنّ أداء مناسك الحجّ والعمرة كلاهما مطلوب لله تعالى فهما قد وجبا على المسلمين في النتيجة 3.
2 - البقاء على حال الإحرام مدّة طويلة؛ حيث نعلم أنّه بعد وصول الحاج إلى أحد المواقيت ولبسه للباس الإحرام وتلبيته (وخصوصاً إذا كان بقصد الحجّ الخالص) يحرم عليه 4 شيئاً، فيجب عليه مراعاة محرّمات الإحرام هذه من هذا الوقت إلى يوم عيد الأضحى، حيث إنّه بعد التضحية والحلق أو التقصير يجوز له الخروج عن الإحرام. ومن الواضح أنّ الاحتفاظ بحالة الإحرام لأيّام طويلة يسبّب مشاكل كثيرة للحاج يصعب عليه تحمّلها وقد تؤدّي أحياناً إلى فساد الحجّ أو إيجاب كفّارات كبيرة عليه. لكن ومع تشريع عمرة التمتّع والخروج عن لباس الإحرام إلى يوم التروية تقلّ هذه المشاكل إلى حدٍّ كبير فيكون الحاج مهيّئاً لأداء مناسك الحجّ باطمئنان وراحة بال. ويكون قد حصل على ثواب وفضيلة عبادتين شرعيّتين هما: الحجّ والعمرة في سفرة واحدة، وتعتبر هذه أهمّ الأسباب لتشريع عمرة التمتّع.
يقول الإمام الرضا(ع) بهذا الصدد: «إنّما أُمروا بالتمتّع إلى الحجّ؛ لأنّه تخفيف من ربّكم ورحمة لأن تسلم الناس في إحرامهم ولا يطول ذلك عليهم فيدخل عليهم الفساد وأن يكون الحجّ والعمرة واجبين جميعاً فلا تعطل العمرة وتبطل، ولا يكون الحجّ مفرداً من العمرة ويكون بينهما فصل وتمييز..» 5.
دراسة مقارنة للحجّ الأفضل في المذاهب الإسلاميّة
إنّه وبسبب الاختلاف بخصوص حجّ التمتّع في المجاميع الروائية لأهل السنّة فقد وجدت اختلافات كبيرة بين المذاهب الأربعة حول الحجّ الأفضل، وفيما يلي نشير إلى بعض الاختلافات حول الحجّ الأفضل من الأقسام الثلاثة للحجّ:
أ - المذهب الشافعي: إنّ ترتيب أفضلية أقسام الحجّ الثلاثة في هذا المذهب بهذا النحو: حج الإفراد، حجّ التمتّع، وحج القران 6.
ب - المذهب المالكي: وترتيب أفضليّة أقسام الحجّ في هذا المذهب عبارة عن: حج الإفراد، حج القران، وحجّ التمتّع 7.
ج - المذهب الحنبلي: وجدت آراء مختلفة في هذا المذهب وطبقاً لأحد الآراء المنقولة عن أحمد بن حنبل نفسه فإنّ ترتيب أفضليّة أقسام الحجّ عبارة عن: حجّ التمتّع، حجّ الإفراد، وحج القران 8.
د - المذهب الحنفي: وفي هذا المذهب أيضاً فإنّ ترتيب أفضليّة أقسام الحجّ الثلاثة هو بهذه الصورة: «حج القران أفضل من حجّ التمتّع وحجّ التمتّع أفضل من حجّ الإفراد» 9.
وقد سبّبت هذه الاختلافات حول أفضل أنواع الحجّ وقوع الشكوك عند بعض الناس حول نوع حجّ رسول الله(ص) ونيّته حين إحرامه 10 وسؤالهم الأئمّة(عليهم السلام) عن ذلك. فعن الفضيل بن عياض قال: سألت أبا عبدالله(ع)عن اختلاف الناس في الحجّ فبعضهم يقول: خرج رسول الله(ص) مهلاًّ بالحجّ، وقال بعضهم: مهلاًّ بالعمرة، وقال بعضهم: خرج قارناً، وقال بعضهم: خرج ينتظر أمر الله عزّ وجلّ. فقال أبو عبدالله(ع): «علم الله عزّ وجلّ أنّها حجّة لا يحجّ رسول الله(ص) بعدها أبداً، فجمع الله عزّ وجلّ له ذلك كلّه في سفرة واحدة ليكون جميع ذلك سنّة لاُمّته، فلمّا طاف بالبيت وبالصفا والمروة أمره جبرئيل(ع) أن يجعلها عمرة إلاّ من كان معه هدي فهو محبوس على هديه لا يحلّ، لقوله عزّ وجلّ: حَتّٰى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ ، فجمعت له العمرة