94ولما تم دفن الشهداء، انصرف رسول الله(ص) راجعاً إلى المدينة، فلقيته حمنة بنت جحش .. فلما لقيت الناس نعي إليها أخوها عبد الله بن جحش، فاسترجعت واستغفرت له، ثم نعي لها خالها حمزة بن عبد المطلب فاسترجعت واستغفرت له، ثم نعي لها زوجها مصعب بن عمير، فصاحت وولولت!
فقال رسول الله(ص): إن زوج المرأة منها لبمكان !
لما رأى من تثبتها عند أخيها وخالها، وصياحها على زوجها 1.
لقد صارت قصة مصعب بن عمير في تاريخنا الإسلامي درساً بليغاً من دروس المؤمنين الصادقين، التي تعلّمنا حياة الرجال الصادقين وولاءهم لمبادئهم واستعلاءهم على الدنيا بما فيها من متاع مبهر أخّاذ.. إنه لنموذج رائع من أولئك الذين تركوا كل ما توفر عندهم ولهم من غال ونفيس وراحة في سبيل الله والإيمان بدينه فصدقوا ما عاهدوا الله عليه فكان لهم من الله الرضا والفوز بجنات عدن تجري من تحتها الأنهار مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً... لقد أبى هذا المؤمن الشاب إلا أن يعيش للإسلام وحده وأن يموت لا كما يموت الآخرون بل وأن ينال وسام الشهادة ويختم بها حياته ونشاطه الدؤوب، فمضى كبيراً عزيزاً مسروراً قد أعذر إلى الله بإيمانه وجهاده وأعماله، فكانت فرحته عند الله تعالى كبيرة وكان ابتهاجه عظيماً حينما قال فيه وفي إخوانه الذين استشهدوا معه:
وَ لاٰ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللّٰهِ أَمْوٰاتاً بَلْ أَحْيٰاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ .