93وأخذ اللواء بيده اليسرى وحنا عليه، فضرب يده اليسرى فقطعها، فحنا على اللواء وضمّه بعضديه إلى صدره وهو يقول:
وَ مٰا مُحَمَّدٌ إِلاّٰ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ .
ثم حمل عليه الثالثة بالرمح فأنفذه وأندق الرمح، ووقع مصعب، وسقط اللواء واستشهد مصعب الخير كما يلقبه المسلمون .. وهو يتمتم :
وَ مٰا مُحَمَّدٌ إِلاّٰ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ .
وقد نزل هذا المقطع فيما بعد ضمن آية كريمة :
وَ مٰا مُحَمَّدٌ إِلاّٰ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِنْ مٰاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلىٰ أَعْقٰابِكُمْ وَ مَنْ يَنْقَلِبْ عَلىٰ عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللّٰهَ شَيْئاً وَ سَيَجْزِي اللّٰهُ الشّٰاكِرِينَ
1
.
وهو ما ذكره أيضاً ابن سعد عن إبراهيم بن محمد بن شرحبيل العبدري، عن أبيه..
ولما قتله كان يظن كما في خبر أنه قتل رسول الله(ص) حتى أنه لما رجع إلى قريش قال لهم : قتلت محمداً 2.
قال ابن إسحاق : فلما قتل مصعب بن عمير أعطى رسول الله(ص) اللواء علي بن أبي طالب، وقاتل علي بن أبي طالب ورجال من المسلمين.
وفيما ذكرته الصحابية الجليلة أم عمارة وهي تروي معركة أحد «... فلما انهزم المسلمون انحزت إلى رسول الله(ص)، فقمت أباشر القتال وأذب عنه بالسيف، وأرمي عن القوس حتى خلصت الجراح إلي..
ولما سألتها أم سعد بنت سعد بن الربيع الناقلة لهذا الخبر، وقد رأت على عاتقها جرحاً أجوف له غور عمّن أصابها بهذا..
قالت : ابن قمئة، قمأه الله! لما ولى الناس عن رسول الله(ص) أقبل يقول: دلوني على محمد، فلا نجوت إن نجى، فاعترضت له أنا ومصعب بن عمير، وأناس ممن ثبت مع رسول الله(ص)، فضربني هذه الضربة، ولكن فلقد ضربته على ذلك ضربات، ولكن عدو الله كانت عليه درعان 3..
وبعد انتهاء المعركة جاء الرسول وأصحابه يتفقدون أرض المعركة ويودعون شهداءهم .. ووجدوا جثمان مصعب وقد مثل به المشركون تمثيلاً أفاض دموع رسول الله(ص) وأوجع فؤاده ، وقال وهو يقف عنده:
مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجٰالٌ صَدَقُوا مٰا عٰاهَدُوا اللّٰهَ عَلَيْهِ ...
ثم ألقى بأسى نظرةً على بردة كفن فيها مصعب وقال:
«لقد رأيت بمكة وما بها أرق حلّة ولا أحسن لمة منك، ثم ها أنت ذا شعث الرأس في بردة ..».
وقد وسعت نظرات رسول الله(ص) الحانية أرض المعركة بكل من عليها من رفاق مصعب الشهداء وقال مؤبّناً:
«إن رسول الله يشهد أنكم الشهداء عند الله يوم القيامة».
ثم أقبل على أصحابه الأحياء حوله وقال :
«أيها الناس! زوروهم ، وأتوهم وسلموا عليهم ، فوالذي نفسي بيده لا يسلم عليهم مُسَلِّم إلى يوم القيامة ، إلا ردّوا عليه السلام».
يقول خباب بن الأرت:
هاجرنا مع رسول الله(ص) في سبيل الله، نبتغي وجه الله، فوجب أجرنا على الله.. فمنا من مضى، ولم يأكل من أجره في دنياه شيئاً، منهم مصعب بن عمير، قتل يوم أحد. فلم يوجد له شيء يكفن فيه إلا نمرة.. فكنا إذا وضعناها على رأسه تعرت رجلاه، وإذا وضعناها على رجليه برز رأسه، فقال لنا رسول الله(ص):
«اجعلوها مما يلي رأسه، واجعلوا على رجليه من نبات الأذخر» وهو نبات معروف طيب الريح.
وقال عنه أبو هريرة: «رجل لم أَرَ مثله كأنه من رجال الجنة».