72
كتبت إلى أبي الحسن الرِّضا(ع): امرأة طافت طواف الحجّ فلمّا كانت في الشوط السابع اختصرت وطافت في الحِجْر، وصلَّت ركعتي الفريضة وسعت وطافت طواف النساء ثمّ أتت منى. فكتب: تُعيد 1.
أقول: فالحديث الأوّل صريح في إعادة الشوط المختصر فقط سواء كان أخيراً أو غيره، والثاني أيضاً دالّ على ما دلَّ عليه الأوّل بقرينة الواحد، فالمراد من الطواف الشوط، وذلك ظاهر.
وإذا عبّر عن الشوط بالطواف فالمراد - من «فليعد طوافه من الحَجَر الأسود» في الثالث - الشوط أيضاً للجمع بين الأخبار، وكذا في الخامس، ومن «يعيد» في السادس إعادة الشوط.
والظاهر أنّ المعنى في الرابع من السؤال أنّه طاف بالبيت فقط، أي لم يدخل الحِجْر الذي هو معنى الاختصار، وحينئذ فدلالته صريحة على المطلوب كالأوّل، وفيه زيادة دلالة على أنّ المراد من الإعادة في الأحاديث هي الإتيان بالفعل ثانياً من دون ملاحظة الوقت وعدمه؛ لأنّ ذلك اصطلاح جديد، كما أنّ المراد من القضاء فيه ذلك، إذ من المعلوم أنّه لو كان الوقت باقياً لكان الحكم الإتيان به كما لو كان خارجاً، فكذا البحث في الإعادة.
فلا يقال: إنّ الأحاديث إنّما تدلّ على الإعادة فلا دلالة لها على القضاء.
ولقد جاءني شخص معتمد - من أصحاب الأوّل 2 وأصحابنا ليلة القدر وهي ليلة الثالث والعشرين في الأخبار وقال لي: الأخبار التي يقولون إنّها مذكورة في هذا الكتاب ما وجدناها بعد التفحّص والتفتيش إنّما وجدنا حديثاً واحداً غير معتمد في باب الزيادات في التهذيب وفيه الإعادة، والمراد منها الإتيان في الوقت، وما نحن فيه من المسألة هو القضاء؟
فأجبته بأنّ ما ذكر ممّا في التهذيب في باب الزيادات فلم أره، نعم بعضها مذكور في غير باب الزيادات 3 في التهذيب، وفي الفقيه عقد لذلك 4 باباً، وكذا في الكافي 5. فالعجب العجب من عدم الاطّلاع على ذلك. وذكرت أنّه من الظاهر كون الإعادة ما المراد بها على ما فصّل.
فقيل لي 6 عنه إنّه استدلّ على أنّ الجاهل حكمه حكم العامد فيما نحن فيه جواباً عمّا ذكره الشيخ والسيّد بقوله(ع): رُفع عن امّتي الخطأ والنسيان 7. فإنّه يدلّ على أنّ الجهل ليس مرفوعاً كالعمد، فمن قال برفعه احتاج إلى دليل.
فقلت: سبحان الله وأيّ دلالة في ذلك، إذ يجوز أن يكون الجهل داخلاً تحت الخطأ، نعم العمد خارج.
على أنّه قد يُقال: إنّ قوله(ع): رُفع عن امّتي الخطأ والنسيان دليل لهما موافق لأصل عدم إلحاقه بالعمد، وذلك لأنّ الخطأ شامل له عرفاً كما هو ظاهر على أهل اللِّسان من إطلاق المخطئ كثيراً على جاهل المسألة، والأصل في الإطلاق الحقيقة.
ولقد اتّفق الاجتماع مع السيّد والشيخ دام ظلّهما في بيت الشيخ فذكرت لهما ما كان خطر ببالي أوّلاً من بطلان الحجّ من حيث إنّ بطلان الركن مبطل للحجّ، وإذا كان الجهل كالعمد فكما أنّ العمد يبطل الحجّ ولو بترك بعض الركن ولو خطوة واحدة فضلاً عن شوط؛ لأنّ المركّب ينتفي بانتفاء بعض أجزائه، فكذا في الجهل.
فقال السيّد: إنّ الجاهل كالعامد في ترك الطواف جميعه لا في أبعاضه، وذكر أنَّ الشهيد في الدروس ذكر ما يدلّ على ذلك ففتّشت عليه فلم أجده، بل كان يقول: إنّه متى ما أتى بمعظم الطواف وهو الأكثر من النصف كان كوقوع الكلّ في عدم البطلان بالنسبة إلى الجاهل، ولم يُظْهِر على وجه ذلك.
ثمّ قال: أما ترى الوقوف مع كونه ركناً عظيماً يبطل بتركه الحجّ عمداً ولا يبطل بترك بعضه جهلاً؟
فقلنا له: إنّ الركن في الوقوف هو مسمّاه بخلاف الطواف فإنّ الركن جميع الأشواط السبعة فترك الوقوف لا يتحقّق إلاّ بتركه بالكلّية بخلاف الطواف، ولأجل ذلك لو ترك بعض الوقوف عمداً لا يبطل الحجّ.
والشيخ أجاب أوّلاً: بأنّ الركن هو الطواف بالبيت، والحِجْر ليس من البيت على ما هو التحقيق، ويدلّ عليه الأحاديث الصحيحة من طرقنا وإنّما هو منه عند بعض منّا، وعند العامّة وهو مشهور عندهم لا عندنا، فقول الشهيد إنّه مشهور عندنا غير جيّد، وإذا كان كذلك فمن اختصر لم ينقص من الركن شيئاً، لأنّ الطواف بالبيت قد تحقق، فلا يلحق بالعامد. وهو كلام جيّد متين لو تم، لأنّا لم نرَ أحداً من الفقهاء صرّح بذلك، وظاهر بعض العبارات غير كافٍ، ويلزم أنّه لو فعل أحد ذلك عمداً لم يبطل حجّه، وفيه نظر منّي.
وأجاب ثانياً: بأنّ إلحاق الجاهل بالعامد خلاف الأصل فيحتاج إلى دليل، وقول بعض الفقهاء ليس حجّة، على أنّ مثل هذا الركن جعل لا ينتفي بانتفاء بعض أجزائه كما في الصلاة فإنّها تبطل بترك بعض أجزائها جهلاً.
فقلنا له: التمثيل بالصلاة ليس كما نحن فيه؛ لأنّها ليست جزءاً لشيء آخر تبطل بتركها جميعها ولا تبطل بترك بعضها ، وترك بعضها جهلاً أو نسياناً إن سلّم أنّه غير مبطل فإنّما هو بدليل من خارج، ولم أدرِ ما معنى الركن الجعلي؟! وبعد النظر وجدنا أنّ من قال بإلحاق الجاهل بالعامد وهو أكثر الفقهاء ولهم على ذلك دليل.