71
بسم الله الرحمن الرحيم
وبه نستغيث ونستعين على كلّ لعين رجيم.
الحمد لله هادي المتّقين والعالمين إلى نور الحقّ المبين ومنقذ العارفين من بحار الجهل إلى ساحل النجاة واليقين.
والصلاة والسلام على خير خلقه أجمعين محمّد وآله الطاهرين.
وبعد:
فقد سألني بعض الحجّاج الواردين عمّن طاف بالبيت ولم يدخل الحِجْْر في طوافه جهلاً في شوط واحد وكان من [النائين] 1 ورجع إلى وطنه من دون تلاف فما الذي يلزمه ويُبرئ ذمّته عند ربّ العالمين؟
فلم أجبه بشيء جازماً به في الحين بل قلت له: يَحتمل الأمر إعادة الحجّ من رأس أو الطواف أو ذلك الشوط فقط إن كان الأخير، وإلاّ فذلك الشوط وما بعده إن كان بعد النصف، وإن كان قَبْلَهُ فالطواف بأجمعه، إذ وجدت في نفسي لكلٍّ وجهاً وواعدته بالإجابة جازماً في اليوم الثاني.
فقال لي: على تقدير لزوم إعادة الطواف كلاًّ أو بعضاً يلزمني أن آتي بذلك بنفسي؟
فقلت له: يحتمل ذلك قويّاً مع القدرة وعدم المشقّة الشديدة، ويحتمل جواز الاستنابة اختياراً، أمّا مع عدم القدرة أو معها لكن مع المشقّة الشديدة فتجوز الاستنابة.
فقال لي: الرواح متعذّر عليَّ، ولقد أرسلت من بلادي كتاباً - وهي أردستان - إلى إصفهان فأجابني المجتهد الجديد بالبطلان وأوجب عليَّ الرجوع إلى مكّة للحجّ بأيّ عنوان كان، فمن شدّة تألّمي واصطدامي جئت بنفسي إليه وقصصت القصّة مشافهةً عليه فأجابني بالجواب الذي سطّره في الكتاب فخرجت من عنده إلى مجلس الشيخ الأجلّ المتين بهاء الملّة والحقّ والدِّين مدّ ظلّه العالي على رؤوس المؤمنين، وعرضت عليه الحال فسهّل عليَّ وقال:
إنّه لا يجب عليك إلاّ الطواف ومع تعذّر الرواح عليك فاستنب من يأتي به عنك. فخرجت من مجلسه وتوجّهت إلى مجلس السيّد الأجلّ الأعظم باقر علوم أجداده باللِّسان والبيان 2 وعرضت ذلك عليه فأفتاني كالشيخ وسلاّني فرجعت إلى الأوّل فرحاً وأخبرته بما ذكروا لي مصرّحاً، فشنّع عليَّ وعليهما وقال لي:
لِمَ رحتَ إليهما ولقد غلطا في ذلك يقيناً ؛ فراجعهما وقل لهما ما الدليل على ذلك، مع أنّ الطواف من الأركان وتركه عمداً مبطل من غير نكران، والجاهل ملحق بالعامد وليس بمعذور إلاّ في موضعين على ما هو المشهور في جميع الموارد، فتوجّهت إليهما وعرضت ذلك عليهما فقالا لي:
الجاهل معذور في كثير من المواضع سيّما في الحجّ، والموضعان المشهوران إنّما هو في الصلاة لا في غيرها فإنّه كثير، مع أنّ الأصل عدم إلحاق الجاهل بالعامد إلاّ في موضع عليه دليل وشاهد، وأين الدليل لِيَتُمَّ به ما قيل؟
[المصنف:] فلمّا استيقظت في السحر خطر ببالي ووقع بخيالي ما واعدته به من الجواب والوفاء به على الصباح كما هو شيم الكرام واُولي الألباب. والذي كان يرجحه بالي ويعقله خيالي حين السؤال وبعده. قبل المراجعة والاطّلاع على تمام الحال أوّل الاحتمالات في ترديدي ؛ لا لما قال بل لغلبة الظنّ بأنّ أكثر الفقهاء ألحق الجاهل بالعامد في الطواف ولا يكون ذلك إلاّ لدليل أو ارتكابهم لخلاف الأصل من غير دليل محال، فتوجّهت ساعة من الليل نحو النظر في الأحاديث والأخبار عسى أن نظفر بشيء يكون دليلاً كالنهار، فوجدنا أحاديث صحيحة وحِسان معنونة بالاختصار ، أي اختصار الطواف بالدخول إلى الحِجْر ، وهو عين ما نحن فيه من دون شكّ، وشبهة تعتريه، منها:
[1] صحيح الحلبي
عن أبي عبدالله(ع)قال: قلت: رجل طاف بالبيت فاختصر شوطاً واحداً في الحِجْر؟ قال: يُعيد ذلك الشوط 3.
[2] وصحيح الحلبي
قال: قلت لأبي عبدالله(ع): رجل طاف بالبيت واختصر شوطاً واحداً في الحِجْر كيف يصنع؟ قال: يعيد الطواف الواحد 4.
[3] وصحيح معاوية بن عمّار
عن أبي عبدالله(ع)قال: مَنْ اختصر الحِجْر في الطواف فليُعد طوافه من الحَجَر الأسود 5.
[4] وحسن حفص بن البختري
عن أبي عبدالله(ع)في الرجل يطوف بالبيت [فيختصر في الحِجْر]، قال: يقضي ما اختصر في طوافه 6.
[5] وحسن معاوية بن عمّار
عن الصادق(ع) قال: مَن اختصر في الحِجْر في الطواف فليُعد طوافه من الحَجَر الأسود إلى الحَجَر الأسود 7.
[6] ورواية ابن بابويه عن الحسن بن سعيد عن إبراهيم بن سفيان قال: