50وتوضيح الأمر: أنّ ربوة صفا أعرض من عرض بنيان مسعى الفعلي من الطرفين - أعني من جهة المسجد ومن الجهة الاُخرى - فشطر من محاذاة الصفا داخل في بناء المسجد وخارج عن بنيان المسعى الفعلي، كما أنّ شطراً من الصفا ناتئ إلى الجهة الاُخرى أعني الجهة المقابلة للمسجد، فلو كان عرض المسعى الفعلي عشرين متراً فعرض صفا يقرب من ثلاثين متراً.
كما أنّ عرض المروة بحسب وضعها الموجود أكثر من عرض المسعى الفعلي؛ حيث إنّ شطراً منها بعد عرض المسعى محاذ للصفا من جهة المسجد. وظاهر ارتفاع مروة عن أرض الجهة المقابلة للمسجد كونها أعرض من تلك الجهة أيضاً مما هي عليه فعلاً.
وبالجملة البنيان الموجود للمسعى يمنع من فعل السعي في قسم من الأرض بحيث لولا البنيان كان العرض للمسعى أكثر مما هو عليه الآن، فكان هذا البناء منافياً للغرض من مشعر مسعى.
ولا يجوز البناء في المشاعر كعرفة وغيرها ومنها مشعر مسعى بما ينافي العبادة المشرعة فيها ولو ببناء مسجد يضيّق بنائه تلك الشعيرة ويمنع ولو بعض الناس ولو في بعض السنين من العبادة المقرّرة هناك.
وظنّي أنّ هذا الأمر ممّا لا ينبغي الاختلاف فيه. وهذا غير مسألة البناء في المشاعر كبناء بيوت في منى لا تمنع من نسكها، وقد بحثنا حكم ذلك على حدة، وذكرنا أنّ ما يدور على الألسن من أنّ «منى لا يبنى» لا أساس له.
ولا يجوز إنشاء المسجدية للمسعى حتّى إن لم يناف السعي فضلاً عمّا كان البناء مانعاً عن ذلك؛ والسرّ في ذلك أنّ السعي جائز حتّى للحائض وإنشاء المسجديّة يمنع من لبث الحائض فيه ولو سائراً. فتأمّل.
هذا مضافاً إلى أنّ المشاعر مقرّرة لعبادة خاصّة ولا دليل على جواز إنشاء المسجديّة لها بعد عدم صدق إحيائها ممّن يريد إنشائها مسجداً كما فصّلنا الكلام فيه في محلّه؛ وستأتي في عبارة الجواهر حكاية الإشكال في ترتّب أحكام المسجد لما دخل من المسعى في المسجد الحرام.
وعن حاشية البجيرمي: كان عرض المسعى 35 ذراعاً فأدخلوا بعضه في المسجد 1.
وقد تعرّضنا لبعض الكلام فيما يناسب المسألة عند التعرض لحكم بناء المشاعر وحكينا بعض كلمات الأصحاب هناك ومنها عبارة العاملي في مفتاح الكرامة، حيث قال: وعدم جواز إحياء هذه المواضع - يعني مشاعر العبادة كعرفة - كلّها أو الكثير منها كأنّه من ضروريّات الدين وإن لم يذكر ذلك كلّه أكثر المتقدمين 2.
أقول: تقييد عدم الجواز في كلامه بإحياء الكل أو الكثير هو باعتبار إسناد الحكم إلى ضرورة الدين فلا ينافي ثبوت الحكم مطلقاً.
وعلى أيّة حال فربما يظهر من بعض النصوص أنّ تضييق المسعى كان محقّقاً في تلك الأعصار أيضاً ولعلّه ببناء الدور أو الدكاكين أو نحوهما وقد أدرك معاصرونا أيضاً بعضاً من ذلك.
ففي معتبرة معاوية بن عمّار عن أبي عبدالله(ع)قال في حديث:
«ثمّ انحدر ماشياً وعليك السكينة والوقار حتّى تأتي المنارة وهي طرف المسعى فاسع ملأ فروجك، إلى أن قال: حتّى تبلغ المنارة الاُخرى، قال: وكان المسعى أوسع ممّا هو اليوم ولكنّ الناس ضيّقوه» 3.
قال في الحدائق: قوله(ع) فاسع ملأ فروجك، جمع فرج وهو ما بين الرجلين؛ يقال للفرس: ملأ فرجه وفروجه إذا عدا وأسرع. ومنه سمّي فرج الرجل والمرأة لأنّه ما بين الرجلين 4.
وقال: المراد بالسعي الهرولة وهو الإسراع في السير دون العدو وهو المشار إليه في الخبرين المتقدمين. بقوله: فاسع ملأ فروجك 5.
قد أورد صاحب الحدائق على التضييق في المسعى بمعنى آخر حيث قال: إنّ المفهوم من الأخبار أنّ الأمر أوسع من ذلك؛ فإنّ السعي على الإبل الذي دلّت عليه الأخبار وأنّ النبيّ(ص) كان يسعى على ناقته لا يتّفق فيه هذا التضييق من جعل عقبه ملصقة بالصفا في الابتداء وأصابعه يلصقها بالصفا موضع العقب بعد العود فضلاً عن ركوب الدرج، بل يكفي فيه الأمر العرفي؛ فإنّه يصدق بالقرب من الصفا والمروة 6.
أقول: الأمر وإن كان كما ذكره في الحكم ولكن حمل التضييق المذكور في النصّ على ما ذكره تكلّف لا داعي له بعد إمكان حمله على معناه الظاهر من بناء الناس أشياء كالدكّة سيّما أيّام الموسم يضيّق من أرض المسعى التي يجوز السعي فيها لولا المانع من البنيان ونحوه.
وفي الدروس بعد ذكره اشتراط السير في الطريق المعهود: وقد روي أن المسعى اختصر 7.
وقال في سداد العباد: وقد روي أن المسعى قد اختصر على ما في مرسل الكافي. المراد باختصاره في جهة العرض 8.
قال الأزرقي: وللعبّاس بن عبد المطّلب أيضاً الدار التي بين الصفا والمروة التي بيد ولد موسى بن عيسى التي إلى جنب الدار التي بيد جعفر بن سليمان؛ ودار العبّاس هي الدار المنقوشة التي عندها العلم الذي يسعى منه من جاء من المروة إلى الصفا... ولهم دار امّ هاني بنت أبي طالب التي كانت عند الحنّاطين عند المنارة فدخلت في المسجد الحرام حين وسّعه المهدي في الهدم الآخر سنة سبع وستّين ومأة 9.