47قال النراقي في واجبات السعي التي ذكر أنها ستة: الخامس: الذهاب من كلّ من الصفا والمروة إلى الآخر بالطريق المعهود؛ بغير خلاف كما صرّح في شرح المفاتيح؛ فلو اقتحم المسجد ثم خرج من باب آخر أو سلك سوق الليل لم يصحّ سعيه؛ لأنّه المعهود من الشارع؛ ولوجوب حمل الألفاظ على المعاني المتعارفة؛ وهذا المعنى هو المفهوم عرفاً من السعي بين الصفا والمروة.
السادس: استقبال المطلوب بوجهه بغير خلاف أيضاً كما في الكتاب المذكور؛ فيستقبل المروة عند الذهاب إليه من الصفا والصفا عند الذهاب إليه من المروة؛ فلومشى عرضاً أو قهقرى لم يصحّ - (لما تقدّم - ظ) في سابقه بعينه؛ بل يظهر منه وجوب المشي بالطريق المتعارف راجلاً أو راكباً؛ فلو تدحرج إلى المطلوب لم يصح. بل الظاهر الإشكال فيما لو سعى بينهما بالمشي بالصدر أو الركبتين واليدين فتأمل 1.
وقال المحقق الكركي فيما يعتبر في السعي: الخامس: الذهاب في الطريق المعهود 2.
وقال الشهيد الثاني في عداد فروض السعي: والحركة بعدها - النية - في الطريق المعهود بوجهه 3. وقال في موضع آخر: فإذا فرغ من الصلاة خرج إلى السعي بين الصفا والمروة سبعة أشواط بادئاً بالصفا خاتماً بالمروة مستقبلاً للمطلوب بوجهه ذاهباً بالطريق المعهود 4.
وقال في الحدائق: ويجب في السعي الذهاب في الطريق المعهود؛ فلو اقتحم المسجد الحرام ثم خرج من باب آخر لم يجزئ. قال في الدروس: وكذا لو سلك سوق الليل. قالوا: ومن الواجبات أيضاً استقبال المطلوب بوجهه فلو مشى القهقرى لم يجزئ لأنّه خلاف المعهود وهو جيّد 5.
وفي الجواهر: ويجب في السعي الذهاب بالطريق المعهود فلو اقتحم المسجد الحرام ثمّ خرج من باب آخر لم يجز، بل في الدروس: وكذا لو سلك سوق الليل.
ويجب فيه أيضاً استقبال المطلوب بوجهه، فلو اعترض أو مشى القهقرى لم يجز كما في الدروس وغيرها؛ لأنّه خلاف المعهود فلا يتحقّق به الامتثال. نعم، لا يضرّ فيه الالتفات بالوجه قطعاً كما هو واضح 6.
ونحوه ذكر في نجاة العباد 7، والرياض 8، ومناهج الأخيار 9، والمدارك وزادفي الأخير: والمشي على طرفيه 10.
وفي المفاتيح عدّ من الواجبات الذهاب بالطريق المعهود واستقبال المطلوب بوجهه لأنّه المعهود من الشارع 11.
وقال سيّدنا الاُستاذ: يجب استقبال المروة عند الذهاب إليها كما يجب استقبال الصفا عند الرجوع من المروة إليه، فلو استدبر المروة عند الذهاب إليها أو استدبر الصفا عند الإياب من المروة لم يجزئه ذلك؛ ولا بأس بالالتفات إلى اليمين أو اليسار أو الخلف عند الذهاب.
ولا ريب أنّ المتفاهم من الآية الكريمة إِنَّ الصَّفٰا وَ الْمَرْوَةَ 12 أن يكون الطواف والسعي بينهما من الطريق المعهود المتعارف بالخطّ الموازي بينهما، فلو مشى بينهما لا بالخطّ الموازي كما لو سلك سوق الليل بأن نزل من الصفا وذهب إلى سوق الليل ثمّ ذهب إلى المروة فنزل منها لا يصدق عليه أنّه طاف بينهما؛ فإنّ المأمور به ليس مجرّد المشي على الإطلاق وإنّما الواجب هو المشي بينهما، فلو مشى بالخطّ المنكسر أو المستدير ونحو ذلك فلا يصدق عليه الطواف بينهما.
نعم، لا يعتبر المشي على نحو الخطّ المستقيم الهندسي قطعاً فلا يضرّ المَيل يميناً أو شمالاً فالمعتبر عدم الخروج عن الجادّة المعهودة والدخول إلى جادّة اخرى كسوق الليل والشارع الملاصق للمسعى.
كما أنّ المعتبر هو المشي العادي المتعارف، فلا عبرة بالمشي على بطنه أو متدحرجاً أو معلّقاً أو على أربع ونحو ذلك 13.
أقول: ويظهر من الشرح الصغير لمختصر النافع المخالفة لهذا الشرطمن أصله؛ حيث ذكر أنّ الواجب من السعي أربعة امور.
ثمّ قال: وزاد جماعة على الأربعة وجوب الذهاب بالطريق المعهود واستقبال المطلوب بوجهه، فلو اقتحم المسجد الحرام ثمّ خرج من باب آخر لم يجز 14.
ويظهر منه ومن غيره أن هذا الشرط ليس متفقاً عليه بينهم ولذا قال في الرياض بعد ذكر الشروط: وزيد في الدروس وغيره على الأربعة وجوب الذهاب بالطريق المعهود واستقبال المطلوب بوجهه؛ فلو اقتحم المسجد الحرام ثم خرج من باب آخر لم يجز. وكذا لو سلك سوق الليل وكذا لو أعرض أو مشى القهقرى لم يجز. قيل: لأنهما المعهود من الشارع؛ ولا بأس به.
أقول: كون المعهود من الشارع شيء لا يستدعي تعينه بعد وجود إطلاق لفظي يشمل غيره بعد أن لم يكن الفعل مخصصاً للدليل اللفظي إلا إذا كان الفعل بصدد التعيين لا مجرّد التطبيق. ومثلما دل على الأمر بأخذ المناسك من الشارع يشمل أخذها من قوله وليس متعيناً في خصوص ما يباشر فعله. ولذا ورد عن النبي(ص) حينما كان الناس يتبعون أخفاف ناقته في مواقف الحج أنه أمرهم باتخاذ المشاعر بسعتها موقفاً، وعدم الاقتصار على نقطة خاصّة منها.
المسألة الثالثة: