21قبل أن نتعرض إلى الفقرة الأخيرة، نشير بإيجاز إلى آخر السور نزولاً في مكة وفي المدينة، فقد وقع الاختلاف بينهم في آخر ما نزل بمكة:
فابن عباس نسب إليه أنه قال هي (العنكبوت) فيما نسب إلى كل من الضحاك وعطاء أن آخر ما نزل هو سورة (المؤمنون)، أما مجاهد فنسب إليه أنها سورة (ويل للمطففين).
وأن آخر ما نزل في المدينة هي سورة المائدة، حتى ورد أن رسول الله(ص) قال في خطبته يوم حجة الوداع :
«يا أيها الناس! إن آخر القرآن نزولاً سورة المائدة، فأحلّوا حلالها وحرموا حرامها» 1.
ما حمل من مكة إلى المدينة وبالعكس
تحت هذا العنوان ضبط العلماء آيات نزلت في مكان ثم حملها أحد من الصحابة فور نزولها لإبلاغها في مكان آخر فقالوا: ما حمل من مكة إلى المدينة، وما حمل من المدينة إلى مكة.
1- فما حمل من مكة إلى المدينة
أول سورة حملت من مكة إلى المدينة سورة «يوسف»، حملها عوف بن عفراء في الثمانية الذين قدموا على رسول الله(ص) مكة، فعرض عليهم الإسلام فأسلموا وهو أول من أسلم من الأنصار، قرأها على أهل المدينة في بني زريق فأسلم يومئذ بيوت من الأنصار. هذه الرواية عن ابن عباس. ثم حمل بعدها سورة «الإخلاص» كاملة، ثم حمل بعدها من سورة الأعراف قوله تعالى:
قُلْ يٰا أَيُّهَا النّٰاسُ إِنِّي رَسُولُ اللّٰهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمٰاوٰاتِ وَ الْأَرْضِ لاٰ إِلٰهَ إِلاّٰ هُوَ يُحيِي وَ يُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللّٰهِ وَ رَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللّٰهِ وَ كَلِمٰاتِهِ وَ اتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ
2
. فأسلم عليها طوائف من أهل المدينة..
وسورة الأعلى حملها مصعب بن عمير وابن أم مكتوم.
فقد أخرج البخاري عن البراء بن عازب أنه قال: أول من قدم علينا من أصحاب النبي(ص): مصعب بن عمير، وابن أم مكتوم، فجعلا يقرئاننا القرآن، ثم جاء عمار وبلال وسعد، ثم جاء عمر بن الخطاب في عشرين، ثم جاء النبي(ص) فما رأيت أهل المدينة فرحوا بشيء فرحهم به، فما جاء حتى قرأتُ: سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى ، في سور مثلها، وهذا المعنى يصدق على كل ما حمله المهاجرون من القرآن وعلّموه الأنصار.
2- وما حمل من المدينة إلى مكة
من ذلك الآية 217 في سورة البقرة:
يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرٰامِ قِتٰالٍ فِيهِ ... .
وذلك حين أورد عبد الله بن جحش كتاب مسلمي مكة على رسول الله(ص): بأن المشركين عيّرونا قتل ابن الحضرمي، وهو أول مشرك يسقط بين المشركين قتله الصحابي واقد بن عبد الله اليربوعي ... وأخذ الأموال والأسارى في الشهر الحرام .. وكتب عبد الله بن جحش قائد السرية إلى مسلمي مكة: إن عيروكم فعيروهم بما صنعوا بكم.
فقد روي أن وفداً من المشركين قدموا على النبي(ص) بعد سرية عبد الله بن جحش وقتلهم ابن الحضرمي من المشركين، وكان ذلك في آخر يوم من جمادى الآخرة، وأرجف المشركون، وقالوا: إنهم قتلوه في الشهر الحرام أي رجب، فأنزل الله الآية وكانت دفاعاً عن السرية، واعتذاراً عمّا بدر منها، وأنه شيء قليل بجانب ما يصدر عن المشركين من إجرام في حقّ الله ودينه وبيته والمسلمين، فيكون الوفد لما قرئت عليه حملها معه، أو أرسل النبي(ص) من حملها إليهم في مكة.
ومن ذلك صدر سورة براءة، فقد أرسل النبي(ص) به علياً ليقرأه على الناس في الموسم سنة تسع، كما في الصحيح..
ومن ذلك آية الربا في سورة البقرة:
يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللّٰهَ وَ ذَرُوا مٰا بَقِيَ مِنَ الرِّبٰا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ
3
.
فقد اختلف بنو عمرو بن عمير من ثقيف مع بني المغيرة بن عبد الله، ورفعوا الأمر إلى أمير مكة عتاب بن أسيد، فرفع الأمر إلى رسول الله، فنزلت، فأرسل بها النبي(ص) إلى عتاب بن أسيد فقرأها عليهم .. فأقروا بتحريمه وتابوا وأخذوا رؤوس الأموال، ثم حملت مع الآيات من أول سورة براءة من المدينة إلى مكة قرأهنّ علي بن أبي طالب رضي الله عنه يوم النحر على الناس...
ثم حملت من المدينة إلى مكة الآية التي في سورة النساء: