293في سبيله، وتحكي كتب السير كيف أن النبي صلى الله عليه و آله دخل مكة بعد رجوعه من الطائف بجوار المطعم بن عدي، وكان ذلك بعد أن فقد رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله حاميه وكافله، عمه أبو طالب سلام اللّٰه عليه الذي ما إن انتقل ابن أخيه إلى كنفه حتى فضّله على بنيه في الرعاية، وكان يحرص عليه حرصاً منقطع النظير؛ ويلمس المتتبع للتاريخ ذلك بسهولة، خاصة بعد البعثة وحين صرّح صلى الله عليه و آله أنه مبعوث من اللّٰه، وكان في ذلك يتحدّى كلّ قريش في دفاعه عن النبي صلى الله عليه و آله، فلم يكن يدعهم ليصلوا إليه بسوء، وقد صرّح بذلك حين قال:
واللّٰه لن يصلوا إليك بجمعهم
حتى أؤسّد في التراب دفيناً
وبلغ الأمر أنه آثر أن يكون محاصراً مع النبي صلى الله عليه و آله الذي آمن به على أن يسلمه للقوم، حتى مات سلام اللّٰه عليه في السنة العاشرة للبعثة 1، وذلك بعد مواقف عظيمة تنم عن سموّ إيمان؛ ولشدة تأثر النبي صلى الله عليه و آله بفقده سمّى ذلك العام عام الحزن حيث فقد فيه أيضاً - إلى جانب العم العظيم - زوجته الوفيّة أم المؤمنين السيدة خديجة سلام اللّٰه عليها. ولم يكن له بُد من الخروج من مكة بعد هذه الحادثة، فقد جاءه الوحي من ربه، فقال له جبرئيل عليه السلام: إن اللّٰه عزوجل يقرؤك السلام، ويقول لك: اخرج عن مكة فقد مات ناصرك 2، ما كان له أن يعود ما لم يكن له من يحميه، فاختار صلى الله عليه و آله المطعم.
وقد ورد في كتب التواريخ والسير أن المطعم لبس سلاحه ومعه بنوه وبنو أخيه ودخلوا المسجد فاستقبلهم أبو جهل، وقال للمطعم: أمجير أم تابع؟ فقال: بل مجير، فقال أبو جهل: قد أجرنا من أجرت 3. ومضى صلى الله عليه و آله يتابع دعوته في جوار المطعم