286البِلادِ شَيءٌ أنكَرَ مِنَ المَعروف، وَ لا أعرَفَ مِنَ المُنكَرِ، فَقَد نَبَذَ الكتابَ حَمَلَتُه وَتَناساه حَفَظَتُه، فَالكتاب وأهْلُهُ يومَئِذٍ طَريدانِ، مَنفِيّانِ، وَ صاحِبانِ مُصطَحِبان في طَريقٍ واحِدٍ، لا يؤويهما مُؤوٍ؛ فَالكِتابُ وَ أهلُه في ذلِكَ الزَّمانِ فِي النّاسِ وَ لَيسا فِيهم، وَ مَعَهم وَ لَيسا مَعَهم، لأنَّ الضَّلالَة لا تُوافِقُ الهدىٰ، وَ إنِ اجتَمَعا فَاجتَمَعَ القَومُ على الفُرقَة وَ افتَرَقوا على الجَماعَة، كَأنَّهم أئمَّةُ الكتاب وَ لَيسَ الكتابُ إمامَهم، فَلَم يبقَ عِندَهم مِنه إلاَّ اسمُه، وَ لا يعرِفُونَ إلَّاخَطَّه وَ زُبَرَه، وَ مِن قَبلُ ما مَثَّلوا بِالصّالِحينَ كُلَّ مُثلَةٍ، وَ سَمّوا صِدقَهم على اللّٰه فِريةً، وَ جَعَلوا فِي الحَسَنَة عُقُوبَة السَّيّئة 1.
المشهد الثالث: طريق الفلاح
فَأينَ تَذهبُونَ؟ وَ أنّىٰ تُؤفَكُونَ؟ وَ الأَعلامُ قائِمَة وَ الآياتُ واضِحَة، وَ المَنارُ مَنصُوبَة، فَأينَ يُتاه بِكُم؟ بَل كَيفَ تَعمَهونَ؟ وَ بَينَكُم عِترَة نَبِيّكُم وَ هم أَزِمَّة الحَقِّ وَأَعلامُ الدّينِ وَ أَلسِنَة الصِّدقِ، فَأَنزِلُوهم بِأَحسَنِ مَنازِلِ القُرآنِ وَ رِدوُهم وُرودَ الهيمِ العِطاشِ.
أيّها النّاس! خُذُوها عَن خاتَمِ النَّبيينَ صلى الله عليه و آله: إنَّه يموتُ مَن ماتَ مِنّا وَ لَيسَ بِمَيتٍ، وَ يَبْلَىٰ مَن بَلِيَ مِنّا وَ لَيسَ بِبالٍ، فَلا تَقُولوا بِما لا تَعرِفُونَ، فَإنَّ أكثَرَ الحَقِّ فِيما تُنكِرونَ، وَ أعذِروا مَن لا حُجَّة لَكُم عليه، وَ أنَا هوَ!
ألَم اَعمَل فِيكُم بِالثِّقلِ الأكبَرِ؟ وَ أَترُك فِيكُم الثِّقلَ الأصغَرَ؟ وَرَكَزتُ فِيكُم راية الإِيمانِ؟ وَ وَقَفتُكُم على حُدُودِ الحَلالِ وَالحَرامِ، وَ ألبَستُكُمُ العافِية مِن عَدلى وَ فَرَشتُكُمُ المَعروفَ مِن قَولي وَفِعلي، وَأرَيتُكُم كَرائِمَ الأخلاقِ مِن نَفسي، فَلا تَستَعمِلوا الرّأي في ما لا يُدرِكُ قَعرَه البَصَرُ وَ لا يتَغَلغَلُ إلَيه الفِكَرُ 2.
المشهد الرابع: الحجّة الخالدة
الّلهمَّ بَلى! لا تَخلُو الأرضُ مِن قائِمٍ للّٰهِ بِحُجَّة، إمّا ظاهراً مَشهوراً، وَ إمّا خائِفاً مَغمُوراً؛ لِئلاّ تَبطُلَ حُجَجُ اللّٰهِ وَ بَيّناتُه، و كَم ذا؟ وَ أينَ؟