281غَيْرَ نَاكِلٍ عَنْ قُدُمٍ، وَ لا وَاهٍ فِي عَزْمٍ، وَاعِياً لِوَحْيِكَ حَافِظاً لِعَهْدِكَ مَاضِياً على نَفَاذِ أَمْرِكَ، حَتَّى أَوْرَىٰ قَبَسَ الْقَابِسِ وَ أَضَاءَ الطَّرِيقَ لِلْخَابِطِ، وَ هُدِيَتْ بِهِ الْقُلُوبُ بَعْدَ خَوْضَاتِ الْفِتَنِ وَ الآثَامِ، وَ أَقَامَ بِمُوضِحَاتِ الأَعْلامِ وَ نَيِّرَاتِ الأَحْكَامِ، فَهُوَ أَمِينُكَ الْمَأْمُونُ وَ خَازِنُ عِلْمِكَ الْمَخْزُونِ وَ شَهِيدُكَ يَوْمَ الدِّينِ وَ بَعِيثُكَ بِالْحَقِّ وَ رَسُولُكَ إِلَى الْخَلْقِ 1.
المشهد الرابع: التأسّي بالرسول
فَتَأَسَّ بِنَبِيِّكَ الأَطْيَبِ الأَطْهَرِ صلى الله عليه و آله؛ فَإِنَّ فِيهِ أُسْوَةً لِمَنْ تَأَسَّىٰ، وَ عَزَاءً لِمَنْ تَعَزَّىٰ، وَ أَحَبُّ الْعِبَادِ إِلَى اللّٰه الْمُتَأَسِّي بِنَبِيِّهِ، وَ الْمُقْتَصُّ لأَثَرِهِ، قَضَمَ الدُّنْيَا قَضْماً وَ لَمْ يُعِرْهَا طَرْفاً، أَهْضَمُ أَهْلِ الدُّنْيَا كَشْحاً، وَ أَخْمَصُهُمْ مِنَ الدُّنْيَا بَطْناً، عُرِضَتْ عليه الدُّنْيَا فَأَبَىٰ أَنْ يَقْبَلَهَا، وَ عَلِمَ أَنَّ اللّٰه سُبْحَانَهُ أَبْغَضَ شَيْئاً فَأَبْغَضَهُ، وَ حَقَّرَ شَيْئاً فَحَقَّرَهُ وَ صَغَّرَ شَيْئاً فَصَغَّرَهُ، وَ لَوْ لَمْ يَكُنْ فِينَا إِلَّا حُبُّنَا مَا أَبْغَضَ اللّٰه وَ رَسُولُهُ وَ تَعْظِيمُنَا مَا صَغَّرَ اللّٰه وَ رَسُولُهُ لَكَفَى بِهِ شِقَاقاً للّٰهوَ مُحَادَّةً عَنْ أَمْرِ اللّٰه، وَ لَقَدْ كَانَ صلى الله عليه و آله يَأْكُلُ على الأَرْضِ وَيَجْلِسُ جِلْسَةَ الْعَبْدِ وَ يَخْصِفُ بِيَدِهِ نَعْلَهُ، وَ يَرْقَعُ بِيَدِهِ ثَوْبَهُ، وَ يَرْكَبُ الْحِمَارَ الْعَارِيَ، وَ يُرْدِفُ خَلْفَهُ، وَ يَكُونُ السِّتْرُ على بَابِ بَيْتِهِ فَتَكُونُ فِيهِ التَّصَاوِيرُ فَيَقُولُ: يَا فُلانَةُ - لإِحْدَى أَزْوَاجِهِ - غَيِّبِيهِ عَنِّي؛ فَإِنِّي إِذَا نَظَرْتُ إِلَيْهِ ذَكَرْتُ الدُّنْيَا وَ زَخَارِفَهَا، فَأَعْرَضَ عَنِ الدُّنْيَا بِقَلْبِهِ، وَ أَمَاتَ ذِكْرَهَا مِنْ نَفْسِهِ، وَ أَحَبَّ أَنْ تَغِيبَ زِينَتُهَا عَنْ عَيْنِهِ، لِكَيْلا يَتَّخِذَ مِنْهَا رِيَاشاً، وَ لا يَعْتَقِدَهَا قَرَاراً، وَ لا يَرْجُوَ فِيهَا مُقَاماً، فَأَخْرَجَهَا مِنَ النَّفْسِ وَ أَشْخَصَهَا عَنِ الْقَلْبِ وَ غَيَّبَهَا عَنِ الْبَصَرِ، وَ كَذَلِكَ مَنْ أَبْغَضَ شَيْئاً أَبْغَضَ أَنْ يَنْظُرَ إِلَيْهِ، وَ أَنْ يُذْكَرَ عِنْدَهُ، وَ لَقَدْ كَانَ فِي رَسُولِ اللّٰه صلى الله عليه و آله مَا يَدُلُّكُ على مَسَاوِىءِ الدُّنْيَا وَعُيُوبِهَا، إِذْ جَاعَ فِيهَا مَعَ خَاصَّتِهِ وَ زُوِيَتْ عَنْهُ زَخَارِفُهَا مَعَ عَظِيمِ زُلْفَتِهِ، فَلْيَنْظُرْ نَاظِرٌ بِعَقْلِهِ، أَكْرَمَ اللّٰه مُحَمَّداً بِذَلِكَ أَمْ أَهَانَهُ؟ فَإِنْ قَالَ: أَهَانَهُ؛ فَقَدْ كَذَبَ وَاللّٰهِ الْعَظِيمِ بِالإِفْكِ الْعَظِيمِ. وَ إِنْ قَالَ: أَكْرَمَهُ؛ فَلْيَعْلَمْ أَنَّ اللّٰه قَدْ أَهَانَ غَيْرَهُ حَيْثُ بَسَطَ الدُّنْيَا لَهُ وَزَوَاهَا عَنْ أَقْرَبِ النَّاسِ مِنْهُ، فَتَأَسَّى مُتَأَسٍّ بِنَبِيِّهِ، وَ اقْتَصَّ أَثَرَهُ وَ وَلَجَ مَوْلِجَهُ، وَ إِلَّا فَلا يَأْمَنِ الْهَلَكَةَ، فَإِنَّ اللّٰه جَعَلَ مُحَمَّداً صلى الله عليه و آله عَلَماً لِلسَّاعَةِ، وَ مُبَشِّراً بِالْجَنَّةِ، وَ مُنْذِراً بِالْعُقُوبَةِ،