147المفسّرين أن المراحل الثلاث ليست على ترتيب الآيات من المصحف، حيث إنّ مرحلة الإغناء مقدمة على مرحلة الهداية.
يقول الدكتور محمد عزت دروزة ملخصاً ما ذكره المفسرون في هذا الصدد:
«إن الآية تحتوي إشارة إلى حادث تيهان وقع للنبي صلى الله عليه و آله في طفولته أو في إحدى رحلاته، ورووا في ذلك روايات كما قالوا: إنّها تعني أنّه كان غافلاً عن الشريعة التي لا تتقرر إلا بالوحي الرباني، أو أنّه كان حائراً في أسلوب العبادة للّٰه، ونفوا عنه أي حال أن يكون ضالاً، أيمندمجاً في العقائد والتقاليد الشركية والنفس لا تطمئن إلى رواية تيهان النبي صلى الله عليه و آله مضموناً وسنداً، بل إنّها ليست متسقة مع ما تضمّنته الآية من منّ اللّٰه على النبي صلى الله عليه و آله بأعظم أفضاله عليه، وتفسير ضال بحائر يحمل معنى الآية على أن المقصود الحيرة في الطريق التي يجب أن يسار فيها إلى اللّٰه وعبادته على أفضل وجه. وهو المعنى الذي نراه» 1.
ويبدو أن هناك حكمة فيما مرّ به رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله من مراحل، وهي أنّ اللّٰه سبحانه وتعالى كان يربّيه ويدربه حتى يستطيع أن يتحمل عبء الرسالة الخاتمة وشؤونها وإبلاغها إلى الناس الذين دبّ الفساد في كل مفصل من مفاصل حياتهم وصدق قوله تعالى:
« ظَهَرَ الْفَسٰادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمٰا كَسَبَتْ أَيْدِي النّٰاسِ» 2.
يقول صاحب كتاب «دراسة في السيرة» مشيراً إلى الحكمة من تلك المراحل:
«ومن مرارة اليتم ووحشية العزلة وانقطاع معين العطف والحنان قبس الرسول صلى الله عليه و آله الصلابة والاستقلال والقدرة على التحمل. . . وبالفقر والحرمان تربى ونما بعيداً عن ترف الغنى وميوعة الدلال. . وعبر رحلته إلى الشام في رعاية عمّه فتح الرسول صلى الله عليه و آله عينيه ووعيه تجاه العالم الذي يتجاوز حدود الصحراء وسكونها إلى حيث المجتمعات المدنية التي تضطرب نشاطاً وقلقاً. . . وفي رحلته الثانية إلى الشام مسؤولاً عن تجارة للسيدة خديجة تعلّم الرسول الكثير الكثير، عمّق في حسّه معطيات المرحلة الأولى وزاد عليها إدراكاً أكثر لما يحدث في أطراف عالمه العربي من علاقات بين الغالب والمغلوب. . . كما علّمه الانشقاق الأخلاقي عن