٢١غير ممكنة ، وهي أن يصير صاحب ولد في كبره وشيخوخته ، من هنا كان معتقداً بهيمنة الإرادة الإلهية على الأمور كافّة ، لهذا قال: «رَبِّ اجْعَلْ هٰذٰا بَلَداً آمِناً» ١.
وبعد مضيّ مدّة ، اجتمع فيها من القريب والبعيد عديدٌ من الناس لتظهر إثر ذلك مدينة مكّة على سطح الأرض ، كرّر إبراهيم عليه السلام دعاءه السابق بشكل آخر فقال: «رَبِّ اجْعَلْ هٰذٰا بَلَداً آمِناً» ٢.
وقد لازمت صفة الأمن والأمان مدينة مكّة حتّى اشتهرت بها ، إلى حد أنّ اللّٰه سبحانه يذكرها بهذا الاسم ، فيقول: «وَ هٰذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ » ٣.
والجدير ذكره أن تعبير «غَيْرِ ذِي زَرْعٍ » مغاير للأرض الموات البائرة التي لم تزرع؛ إذ الموات قابلة للإحياء عادةً ، تماماً كما الأرض البائرة تقبل القيام ، وما لم يزرع يقبل الزرع ، أما الأرض غير ذات الزرع فتعني التي لا يوجد فيها اقتضاء الزرع ، كما لا يمكن توفير الأسباب والإمكانات لتعميرها؛ فهي لا تبدو - بحسب ظاهرها - متمتعةً بأيّ عنصر مساعد طبيعياً على زراعتها .
نعم ، عدم إمكان زراعة هذه الأرض غير ذات الزرع إنّما هو بالنسبة إلى العلل والأسباب الطبيعية ، أمّا بالنسبة إلى الإرادة الإلهية فإن غير الممكنات العادية كافة قابل للوجود والتحقّق .
إن اللّٰه تعالى يتحدّث عن ظروف توفير الحياة الاقتصادية لمكّة عبر بيان أنّ ذلك ليس عن طريق الغيب ولا سبيل الإعجاز ، فحاجات المؤمنين الاقتصادية لا تؤمّن عبر هذا السبيل ، بل «يُجْبىٰ إِلَيْهِ ثَمَرٰاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقاً مِنْ لَدُنّٰا» ۴.
واليوم تتقاطر الثمرات تترى على أرض مكّة غير ذات الزرع والضرع حتى أنّ المحاصيل المتنوّعة في تمام أرجاء العالم تُحضر إلى مكّة في فصول الحجّ والعمرة كافّة .