276وهذا ما تفيده الآية الكريمة [أَرِنٰا مَنٰاسِكَنٰا] 1 فالرؤية هنا هو انعكاسها في الواقع أو في الأبعاد التي خلف مكان وزمان الحج . . . بعد ما كانت الرؤية داخل زمان ومكان الحج فرضاً إلهيّاً مشخصاً بالهيئة المخصوصة . وكما يعبر الحاج من كل فج وعلىٰ ضامر سابق فإن هذه الأمكنة سوف تكون ضمن أهداف الحجّ وتسري فيها ظاهرة المنسك 2 - أي العبادة - .
إن المناسك ، تنفتح على ما يتبقىٰ من عمر الحاجّ ، ومع اتساع الآثار المختلفة لعمارة المناسك تتعدد - حتماً - زوايا المنظر وخلفيات الرؤية ومرتكزات الأسلوب حين الشروع بالحديث عن الحجّ . . . سيّما في عصرنا الراهن الذي انطلق الإسلام فيه مارداً من قمقمٍ ، وأخذ يطرح نفسه بقوة عتيدة بديلاً حضارياً ومشروعاً ثقافياً مزداناً بالكفاءة الذاتية ؛ بديلاً يمتاز برصانة التحليل وقابلية المعالجة وقداسة المفاهيم ومرونة الوسائل وانسيابية الخواطر .
وإذن ففي الحجّ تحليل ومعالجة واحتجاج وحوار وبنيويّة في الأسلوب ونقد فعّال . . . وموجهات غيبية وتشريعية وإنسانية . كلُّ هذه التكوينات تنسكب قِبال المتأمل السؤول الناقد ، الذي يتقصّىٰ مفردات ووقفات الدورة الإيمانية الكاملة التي توفرها رحلة الحج السنوية ، والتي تنقل المسلم نقلات بديعة وتحرر له الآفاق الرحبة السامية وتخلّص الزمن المسمىٰ ب «اللحظة المثالية» من فوضوية الضجيج والترهّل والإباحية .
من هنا ، فإن لكل من العقيدة والإنسان والطبيعة و«الآخر» أدواراً في العملية المناسكية ، تلكم العملية المشبعة بالجدارة المتلاثبة في عقارب المناسك .
وبضوء آخر ، إن هذه الكفاءة الذاتية في الحج والتي يصطلح عليها بفلسفة الحجّ لم تنطلق من التعبّد فحسب بل تصاحبها على طول الخطّ حالات الفكر