192فقد خرج هذا الصديق لاستقبال السعدي في أوبته من الحج وزيارة مكة المكرمة ، شعوراً بالامتنان إليه وقابله على بعد منزلين خارج بلده .
ورأى السعدي تبدل حال صديقه بعض الشيء عما كان عليه قبل أن يسافر إلى الحج ، فسأله عن سبب ذلك التغير فأجابه بسبب سعي بعض الوشاة به إلى الحاكم ، لكنه عند قرب بلوغ العائدين من الحج إلى بلادهم وذيوع بشرى مقدمهم سالمين غانمين العفو والرحمة ابتهج الحاكم وسعد ، فعفا عمن غضب عليهم وأخرج من سجنه المسجونين ، وقد أصاب هذا الصديق بركة من بركات بشارة عودة الحجاج ، فأطلقه الحاكم ورفع عنه عقوباته ، وأطلق سراحه من حبسه ، وخلع عليه ، وأعاده إلى سابق منزلته ومكانته ، وسيره على رأس فرسان المستقبلين للحجيج .
هكذا كان الحكام والناس يستقبلون القادمين من الديار المقدسة بابتهاج وسعادة ، وهم يتمنون أن يكتب لهم اللّٰه الحج في أعوامهم القادمة 1 .
وقد استغل بعض المحتالين سانحة حسن استقبال الناس للعائدين من الحج ، فكانوا يزعمون أنهم أقبلوا في العير الآتية من الديار المقدسة ، بعد أن أدوا مناسك الحج فيقبل الخاصة والعامة عليهم ، ويحسنون الظن بهم ويحتفلون بهم .
ومنهم ذلك الذي قصّ السعدي حكايته وقد خدع الناس والحاكم بقوله : إنه علوي شريف قدم حاجاً ، فلقي الحظوة عند الحاكم ، وأجزل له العطاء وأدناه منه ، ثم تبين خداعه وشهد الثقاة على أنهم رأوه في عيد الأضحى في ذلك العام في البصرة لا في مكة أو المدينة ، فلما حز به الأمر واندست عليه السبل ، اعترف بالحقيقة فعفا عنه الحاكم وأخلى سبيله 2 .