51
قال: إنما هي أربعة مساجد لم يبنهنّ إلّانبيّ: الكعبة بناها إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام ومسجد المدينة ومسجد قُباء اللذان أسسا على التقوى، بناهما رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله. وقال القاضي: لا يمنع دخولهما جميعاً تحت هذا الذكر؛ لأنّ قوله
«لمسجد أسس على التقوى»
هو كقول القائل لرجل صالح أحق أن تجالسه، فلا يكون ذلك مقصوراً على أحد.
وقيل: هو كلّ مسجد بني للإسلام وأريد به وجه اللّٰه عن أبي مسلم.
«أفمن أسس بنيانه على تقوى من اللّٰه ورضوان خيرٌ أم من أسس بنيانه على شفا جرف هار فانهار به في نار جهنم واللّٰه لا يهدي القوم الظالمين»
.
ثم راحت السماء تميّز بين ذلك البنيان الذي أسس على الكيد وبين بنيان كان أساسه التقوى ورضا اللّٰه سبحانه وتعالى، وراحت تجري مقارنةً بين المسجدين عبر تساؤل كبير وخطير يحمل تحذيراً وتنبيهاً، وبالتالي تهذيباً وتربية للنفوس في أن تميّز بين ما يعرض لها من أمور، فتتبع منها ما يتفق مع الخير وتترك كل شيء يتناغم والشر، إنّها التربية القرآنية المتواصلة للمؤمنين وعلى رأسهم رسولاللّٰه صلى الله عليه و آله.
ويذكر صاحب تفسير في ظلال القرآن، وهو يقف عند هذه الآية ليحلق بها بتعبير فني رائع حيث يقول: فلنقف بتطلع لحظة إلى بناء التقوى الراسي الراسخ المطمئن. . . ثمّ لنتطلع بعد إلى الجانب الآخر! لنشهد الحركة السريعة العنيفة في بناء الضرار. . . إنّه قائم على شفا جرف هار. . . قائم على حافة جرف منهار. . . قائم على تربة مخلخلة مستعدة للانهيار. . . إننا نبصره اللحظة يتأرجح ويتزحلق وينزلق! . . . إنّه ينهار! إنه ينزلق! إنه يهوي! إنّ الهوه تلتهمه! يا للهول! إنها نار جهنم
«واللّٰه لا يهدي القوم الظالمين»
الكافرين المشركين.
الذين بنوا هذه البنية؛ ليكيدوا بها هذا الدين!
ثم يواصل كلامه: إنّه مشهد عجيب، حافل بالحركة المثيرة ترسمه وتحركه بضع كلمات! . . . ذلك ليطمئن دعاة الحق على مصير دعوتهم، في مواجهة دعوات