270
«خلفنا وراءنا مدينة الأمل، ودخلنا في ظل الجبال الوعرة، التي كانت أشعة الشمس الفضية الهادئة تنعكس عليها. . . لا أدري لماذا تخشى الظلمةُ النور؟ ! فلو انطلقت شرارة واحدة، ترى الظلمة انقشعت من حولها مضطربة. .» .
«. . كان في الخيمة عشرون أو أكثر، سلمت عليهم وجلست في ناحية من الخيمة كانت هناك سجادة من النوع الثمين، وكانت الوجوه الوردية تبدو ملامحها وسط الضوء الخافت. . كان هناك حاج يجلس في الجانب الشمالي مستغرقاً في قراءة كتاب. كان عذب الصوت. . وأمامه جلس رجلان يستمعان إليه وينصتان بكل حواسهما، ثم رقدا بالقرب منه، أما بقية الناس فقد انشغلوا بأمور لاهية. . وكانت ضحكاتهم، وقهقهاتهم تسمع من بعيد، كانت في ضحكاتهم قوة الحياة لكنها فتقت جراح روحي وكأنها ضرب سياط مستمر. . .» .
والوصف العادي لمكة المكرمة، يتخذ لوناً آخر عند أدباء شبه القارة ففي كتاب الحج والزيارة لمحمد صابر جاء ما يلي:
«حين انبعث صدى الأذان من الحرم الشريف خرج الناس من كل صوب متجهين لأداء الصلاة، فترى الطرقات الواصلة بين البيوت والحرم وقد غصت بالناس، وبدا الجميع أمامك وكأنهم يهرولون. . في مكة لايشعر الإنسان بذرة من غربة، فالقلب يأنس الحواري والطرقات، وكأنه سكن هنا منذ سنوات. .» 1.
ومن رحلات الحج التي وصل مستواها إلى مستوى أدبي رفيع رحلة سيد أبي الخير كشفي بعنوان «من الوطن إلى الوطن» ، وهي كما قال الناقد والباحث أنور سديد 2، دعاء
طويل ظل يخرج من أعماق قلب يبحث عن مرهم لمداواة صدمة أصابت الجسد الترابي، والأسلوب الأدبي يعبر عن مشاعر المؤلف في الديار المقدسة:
«هذا الطواف حول الكعبة كان سنة إبراهيمية. . كانت حلقة