213
أنها سميت مكة: لأنها تَمُكُّ الجبارين، والماردين، المعتدين عليها، أي: تدكُّهم، وتحطمهم، وقيل: سميت بذلك لازدحام الناس فيها، وقريب من هذا: تعليل اسم بكة، فهو من البَكِّ، أي: التهشيم، والتمزيق، والقهر، والإجهاد، وما جرى مجراها، أما أم القرى: فهي تحمل معاني: القيادة، والزعامة، والقداسة، وما شابهها من معاني التعظيم والإكبار، ذلك لأنها أعلى مرتبة من جميع القرى، وفي مقدمتها رفعة وشرفاً، ولا يخفى معنى البلد الأمين، ويكفي تفسيراً له: أن من دخله أَمِنَ مادام بداخله ولو كان مجرماً 1.
المبحث الثاني: مكانة مكة وشرفها:
لمكة مكانة روحية عالية لدى جميع العرب، والمسلمين، وغيرهم من الأمم، والملل الأخرى، مثل: الروم، والفرس، واليهود، والنصارى، والمجوس، والصابئة، والجبارين، والمردة، والعصاة، والمجرمين، والصعاليك، ويلجأون إليها عند الحاجة والخوف، ويفدون عليها حجاجاً من كل بقاع الأرض، وفي القرآن الكريم، والآثار التاريخية دلائل لا تحصى على هذه المنزلة العظيمة، والشرف العالي لمكة المكرمة، ومن الأمثلة على ذلك:
ما ورد في القرآن الكريم من قوله تعالى:
«وَ مٰا كٰانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرىٰ حَتّٰى يَبْعَثَ فِي أُمِّهٰا رَسُولاً» 2
، وأم القرى هي مكة المكرمة، ولا يخفى ما في ذلك من
الشرف وعلو المنزلة، وقوله أيضاً:
«وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرىٰ وَمَنْ حَوْلَهٰا» 3
، دليل على
فضلها على سائر البلاد، إذ بدأ بها في الذكر في الحالتين معاً: الرحمة، والإنذار.
ومما جاء في المصادر التاريخية من أسباب تسمية زمزم: أن الأعاجم من يهود ومجوس وصابئة، وغيرهم، كانوا يحجون البيت ويزمزمون على بئر الماء، وأن