192
ملابس الفخر الفاخرة، و أعلى مقامي في الدُّنيا و الآخرة، و جعل تُربتي شفاءً من السّقام، و غباري دواءً من الجُذام، فلي الشَّرفُ على كلّ إقليم، و الفضلُ في الحديث و القديم، و باسمي يُفوّه كلّ خطيب، و عَرْفُ 1تَربي أطيبُ مِنْ كلّ
طِيب:
لا تَحسبِ المِسْكِ الّذكيّ كتُربِها
هَيهاتَ أين المِسْك من ريّاها
فالمقامُ بي من المكاره جُنّة، إذ كانت في روضةٍ من رياض الجنّة، 2و حسبي
فخراً المنبر التي عَلَتْ مراقيه، و حاز جميع الشَّرف بِرَاقِيه 3؛ فإلى مسجدي تُشدُّ
الرِّحال من كلّ قريةٍ وفلاة، و الصّلاة فيه - كما قد عُلِم - بألف صلاة؛ فلي السنَّاء 4الباذخ، و العلاءُ الذي هو بأرض المجد راسخ، فلا غَرْو إنْ سبقتُ في هذا المضمار، و ركضتُ في ميدان الفخار، «فأحقّ الخيل بالرّكض المعار» .
فلمّا سمع الحرم المكّي هذه العبارة، و فهم دلالة نصّها و الإشارة، قال:
كأنّكِ: «إيّاك أعني و اسمعي يا جارة» !
أيّها المدينة المسكينة! عليك السكينة! أبي تُعرِّضين، أم لي تتعرّضين، أم عليَّ تستظهرين، أو مع وجودي تفتخرين؟ ! تاللّٰه ما سَال إليكِ إلّاما فاض منّي، و لا وَصَلكِ إلّاما فَضُل عنّي.
أما علمتِ أنّ بيّنتي أعظم البيّنات؟ أما سمعتِ قولهُ تعالى: [ فِيهِ آيٰاتٌ بَيِّنٰاتٌ 5؟ ]
ألكِ مثلُ الكعبةِ ذات السّتور، و البيتُ المقابل بالبيت المعمُور، الذّي هو عين الوجود، و مطلع السّعود؟ !