141
أبحر فارتيما من البندقية عام 1503م، وزار كلاً من الاسكندرية وطرابلس وأنطاكية وبيروت ودمشق، وسارع منذ وصوله دمشق، إلى تعلّم اللغة العربية، واستعدّ لاستئناف الرحلة جنوباً، ثمّ أمّن لنفسه مكاناً في القافلة الذاهبة إلى مكة المكرمة، بعد أن عمل على عقد عُرى الصداقة مع أحد زعماء المماليك الذي عيّنه حارساً من حرّاس القافلة.
وفي الثامن من أبريل 1503م تحرّك فارتيما إلى مكة المكرمة بزي جندي مملوك، وحينما وصل إلى المدينة بقي فيها ثلاثة أيام، ودخل الحرم الشريف، الذي يصفه وصفاً موجزاً، فيقول: «إنه مسجد مقبّب يدخل إليه من بابين كبيرين، ويحمل سقفه حوالي أربعمائة عمود من الآجر الأبيض، وفيه عدد كبير من المصابيح المعلّقة - الثريّات - يناهز الثلاثة آلاف» ، ويشير إلى وجود عدد من الكتب، في جهة من جهات المسجد التي تحتوي على تعاليم الدين الإسلامي.
وينتهز فارتيما الفرصة لتصحيح الاعتقاد الشائع في أوروبا آنذاك من أن جثمان النبي محمّد صلى الله عليه و آله معلّق في الفضاء، فيقول: «أما بخصوص هذه الأخبار فأنا أخالفها تماماً، وأؤكّد أن هذا ليس صحيحاً» . ويذكر في الفصل الذي يتطرّق فيه إلى مكة المكرمة وتشييدها وإنشائها أنها مدينة جميلة تكتظ بالسكان، لأنّها تحتوي على ستة آلاف أسرة. ودورها حسنة للغاية، «مثل دور الإيطاليين» ، على حد تعبيره، ويذكر كذلك أن مكة المكرمة لم تكن مسوّرة، لأن أسوارها هي الجبال الطبيعية التي تحيط بها، ولها أربعة مداخل. وقد اندهش فارتيما من كثرة الحجاج الهائلة وتعدد جنسياتهم وقومياتهم، ممّا دفعه للقول: إنّه لم يجد مطلقاً، من قبل، مثل هذا العدد من الناس يجتمع في بقعة واحدة من الأرض.
ويمضي الرحالة في نقل انطباعاته ومشاهداته، فيذكر في الفصل المخصص للحج من رحلته أن مركز مكة المكرمة يوجد فيه «معبد» جميل جداً، على حدّ