38وأهل بيته صلوات اللّٰه عليهم سهم وِلاء، ومن أعدائهم بَراءً وقد تتباين بعض الشيء في هذا الأمر شدّةً وضعفاً؟ فهي كأصابع اليد الواحدة في الانتهاء إلىٰ مفصلٍ واحدٍ، وإن اختلفت طولاً وعرضاً وشَكلاً بعضَ الشيء، أو هي كالجَسَد الواحد في تعدّد جوارحِه من جهة وتعاونها في تفعيل الدَّورِ الجَسَدانيّ في الكيان البشريّ من جهةٍ أخرىٰ مع وجودِ الاختلاف في أشكالها.
ولا يبعدُ أن تكونَ الحكمة في تشبيه الأمّة الإسلاميّة باليد الواحدة تارةً، وبالجسد الواحد تارة أخرىٰ، هي الإشارة إلىٰ هذه الحقيقة.
لقد كان العلماء من مختلف الفرق والمذاهب الإسلامية سابقاً، يعيشون جنباً إلىٰ جنب من غير تنازعٍ أو صدام، بل لطالما تعاونوا فيما بينهم، فشَرح بعضهم كتاب الآخر كلاميّاً كان أو فقهيّاً، وتلمّذ بعضهم علىٰ بعضٍ وأشاد البعضُ بالآخر، وأيّد بعضهم رأي الآخر، وأعطىٰ بعضهم إجازة الرواية للبعض الآخر، واستجاز بعضهم البعض لنقل الرواية من كتب مذهبه وطائفته، وصلّىٰ بعضهم خلفَ الآخر، وائتمَّ به وزكّىٰ بعضهم الآخر، واعترف بعضُهم بمذهب الآخر، بل وكانت هذه الطوائف في مستوىٰ جماهيرها تعيش جنباً إلىٰ جنب في ودادٍ ووئامٍ، حتّىٰ يبدو وكأنّهم لا خلافَ بينهم ولا تباين، وإن كان يَتَخلّل كلّ ذلك بعضُ النقد والردّ، إلّاأنّه كان على الأغلب نقداً مؤدّباً، ومهذّباً، وردّاً علمياً، وموضوعياً.
وثمة أدلّة حيّة وتاريخيّة عديدة علىٰ هذا التعاون العميق والعريض، وقد أثرى العلماءُ المسلمون بهذا التعاون التراث والثقافة الإسلامية، كما ضربوا بذلك أروع الأمثلة في الحريّة المذهبيّة، هذا بالإضافة إلىٰ أنّهم استقطبوا من خلال هذا التعاون اهتمام العالم بهم وكسبوا احترامهم.
إنّه ليس من الصعب أن تجتمع علماءُ الأمّة ويتناقشوا بهدوءٍ وموضوعيّة، وبإخلاص وصدق نيّة، في ما اختلفت فيه الطوائفُ وللتعرّف