37وجرى الأمر علىٰ هذا المنوال حتّى انقلب التعارفُ إلىٰ تناكر، والتفاهم إلىٰ تنافر، وكفّرتِ الجماعاتُ بعضها بعضاً، وضربتِ الفصائل بعضها بعضاً فزالتِ العزّةُ وتحطّمت الشّوكة وسقطت الهيبةُ واستخفّت الطغاة بتلك الأُمّة الرائدة القائدة حتّىٰ جالت في ربوعها الثعالبُ والذؤبان، وجاست خلال ديارها شذّاذُ الآفاق وملاعين اللّٰه ومغضوبو البشريّة، فثرواتُها منهوبة، ومقدّساتها مُهانة، وأعراضها تحت رحمة الفجّار، وسقوطاتٌ تلو سقوطاتٍ، وهزائمُ إثر هزائم، وانتكاساتٌ في الأندلس وبخارىٰ وسمرقند وطاشقند وبغداد، قديماً وحديثاً وفلسطين وأفغانستان.
وإذا هي تدعو فلا تُجاب، وتستغيثُ فلا تُغاث، كيفَ والدّاءُ شيءٌ آخر، كما وإنّ الدواء شيء آخر كذلك، وقد أبى اللّٰه أن يجري الأُمور إلّابأسبابها، ولا يصلُحُ آخر أمرِ هذه الأُمّة إلّابما صَلُح به أوّلها؟
واليومَ إذ تتعرّض الأُمّة الإسلاميّة لأبشع حملةٍ ضدّ كيانها، وعقيدتها ولأشرس هجمةٍ ضدّ وحدتها، من خلال إيجاد الخلل في تعايشها المذهبي، والاجتهادي، وتكاد هذه الحملة تؤتي ثمارَها وتُعطي نتائجها، أليسَ من الحَريِّ بها بأن تزيد من رصّ الصفوف وتمتين العلاقات، وهي رغم تنوّعها المذهبيّ تشترك في الكتاب والسنّة مصدراً، وفي التوحيد والنبوّة والإيمان بالآخرة عقيدةً، وفي الصلاة والصيام والحجّ والزكاة والجهاد والحلال والحرام شريعةً وفي مودّة النبيّ الأطهر