117القارىء: لماذا لم يتمّ بناء مَسجد ما في موقع قيام المُباهلة مع ما تتميّز به تلك الحادثة من أهميّة تأريخيّة ومَعنويّة كبيرتين، في حين اُقيمت المساجد في الأماكن التي تقلّ أهميّتها عن هذا المكان وذلك للحفاظ على آثار رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله؟
بإمكاننا استخلاص الجواب على السؤال المذكور من خلال النقاط التي أثرناها سابقاً حول كيفيّة بناء المساجد القديمة في المدينة، إذ أنّ بعض تلك المساجد تمّ بناؤها في حياة الرسول صلى الله عليه و آله وبأمر منه، في حين بُنيت مَساجد أخرى من قِبل المسلمين، أمّا الجزء الأكبر من المساجد الأخيرة فقد تمّ بناؤها في أماكن مُختلفة ومُتعدّدة من قِبل (عمر بن عبد العزيز) بعد أن ثبتَ أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله كان قد صلّى فيها. ومع أنّ نصوص الروايات تؤكّد على قيام النبيّ صلى الله عليه و آله وآل بيته عليهم السلام بالصلاة والدّعاء قبل وروده إلى مكان المُباهلة، إلّاأنّه لم يرد فيها أنّه صلى الله عليه و آله صلّى أو دَعا في الموقع الذي باهلَ صلى الله عليه و آله فيه النصارى.
وتذكر الرّوايات أنّ ممثّلي نصارى نجران من رجال الدّين وغيرهم تملّكهم الفزع والخوف وانتابهم الهلع والرّعب عندما رأوا بأمّ أعينهم قدوم رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله مع نفر قليل من أهل بيته عليهم السلام دون أيّة مظاهر من الأبّهة أو اصطحاب الخدم والحَشم معه، ممّا دَفعهم إلى الامتناع عن مُباهلته صلى الله عليه و آله واستعاضوا عن ذلك بمُصالحته والرّضوخ لمطالبه وعَقد مُعاهدة ذمّة معه.
ومهما يكن من أمر، فلابدّ من التأكيد على أنّه لم تُقَم في مكان المُباهلة أيّة صلاة ليأمر عمر بن عبد العزيز أو أيّ شخص آخر ببناء مَسجد عليه، ليكون مقاماً لصلاة رسولاللّٰه صلى الله عليه و آله ويتحوّل إلىمَسجد على غرار بقيّة المَساجد القديمة الموجودة فيالمدينة المنوّرة. وربما كان ذلكالموقع فيأوائل الدّعوة الإسلاميّة مكاناً معروفاً لدى أهل المدينة لإقامة المراسيم والشعائر لأهميّتها، ثمّ اُهمِلَ وغابت واندرست معالمه بمرور الوقت، ولم يبقَ منه أيّ أثر.