21قال الشيخ يوسف في الحدائق بعد نقله هذا الكلام: «والظاهر أنّ مرادهم الاجتهاد إلى أحد (إحدىٰ) الجهات الأربع، كجهة المغرب مثلاً، بأن يجتهد فيها إلى جهة الشمال ونحوها، إمّا إلى التيامن أو التياسر في تلك الجهة، فإنّه يجوز الاجتهاد فيه؛ لعموم الأمر بالتحرّي، وربما قيل بالمنع؛ لأنّ احتمال إصابة الخلق الكثير أقرب من إصابة الواحد» 1. انتهى كلامه زيد إكرامه.
أقول: ويؤيّد المنع أنّ الأمر بالتحرّي إنّما هو مخصوص بحال عدم التمكّن من العلم العادي كما هو صريح الروايتين الدالّتين على الاجتهاد؛ لأنّ في صحيحة زرارة: «إذا لم يعلم القبلة» 2.
وفي موثّقة سماعة، قال: سألته عن الصلاة بالليل والنهار إذا لم ير الشمس ولا القمر ولا النجوم؟ قال: «اجتهد رأيك، وتعمّد القبلة جهدك» 3.
ولأنّ التحرّي إنّما يفيد الظنّ، إذ الاجتهاد في القبلة إنّما يكون بالرجوع إلى أهل الأرصاد ومعرفة الأطوال والأعراض للبلاد، وهو متوقّف على معرفة تلك العلوم الصعبة المأخذ، مع أنّ أهلها ليسوا مسلمين، وكلّ من له معرفة بهذه العلوم من المسلمين فإنّما هو مقلّد لهم في الحقيقة.
وبالجملة، فترك ما عليه المسلمون في البلدان، واستمرّوا عليه في جميع الأعصار والأزمان؛ لأجل اُمور مأخوذة من القواعد الهندسية، مع مخالفتها لظاهر الشريعة المحمّدية السهلة الحنفيّة، وادّعاء موافقتها لها - دون إثباته خرط القتاد غير جائز.