168باهتمام طائفة من المسلمين، الذين حرصوا علىٰ تدوين مشاهداتهم، وانطباعاتهم وأحوالهم، في هذه الرحلة الكريمة، بل طالما شرع بعض المؤلفين بالبدء بتصنيف آثارهم في هذه الديار، والسعي لختامها هناك، أو الفراغ من الآثار التي كتبوها في مواطنهم هناك، بغية تسجيل تاريخ الفراغ منها في هذه الأماكن الغالية، والاحتفاظ بذكرىٰ عبقة عنها، تقترن أبداً بجهودهم الفكرية.
كما اشتهرت بعض المصنفات الهامة في التراث الإسلامي بنسخة مميزة، أعاد تدوينها المؤلف في البيت الحرام مثلاً، بعد فراغه من تأليف كتابه في موطنه، أو باشر بالتأليف في مكة المكرمة، وجاور البيت الحرام لسنوات، ريثما ينجز كتابه، ثم كتبه ثانية في بلد آخر.
وظل البيت الحرام على الدوام مصدر إلهام للكتّاب والمؤلفين، الذين تشرفوا بالطواف في رحابه الطاهرة. وفي العصر الحديث وفد إلى الديار المقدسة بمعية أفواج الحجاج والمعتمرين، الكثير من الصحفيين والأدباء، والمفكرين، واهتم جماعة منهم بتدوين رحلته والإفصاح عن تجاربه الروحية، ووصف المناسك، والمراسم، والأماكن، والأسواق وطبيعة تقاليد وطبائع مواطني البلدان الإسلامية الذين التقاهم. ومن الواضح أن هذا الكم من أدب الرحلة إلى الحج، يتفاوت في أهميته الثقافية، وقيمته الأدبية، وقدرته علىٰ رصد التفاصيل الدقيقة، والوقائع الهامة في هذه الرحلة، لأن ذلك يرتبط بموهبة الكاتب، وإمكاناته الإبداعية، ونمط خبراته السابقة، ومستوىٰ ثقافته وامتداداتها الأفقية والرأسية.
أهمية كتاب «قشة في الميقات»
بالرغم من وفرة الكتاب في هذا الحقل، لكن قلما نعثر علىٰ نماذج باهرة منها، ترتقي فيها أدوات السرد إلىٰ مستوىٰ رفيع يجعله بدرجة تضاهي روائع