125النفوذ والقوّة والكيف، وليس للكثرة والكمّ، وأنّ أعداد المسلمين التي تربو على المليار والنصف، وأعداد الحجّاج الذي يربو على المليونين، يجب أن لا تُغرينا بالثقة في ذاتنا، والإغترار بأعدادنا.
إلّا أنّ هذا الزعم مردود عليه للاعتبارات التالية:
أوّلاً: إنّ الحضارة التي تروّج لهذا الفهم أو الوهم تعاني من تراجع في أعدادها وديمغرافيتها، وتراجع في تمسّكها بدينها من حيث التردّد على أماكن العبادة، خاصّة من الشباب، وعاجزة عن إغراء شبابها بها بالعودة إلى التمسّك بأصول ثقافتها، في الوقت الذي تعرف مساجد المسلمين اكتظاظاً بالشباب وكذا في موسم الحجّ، وكذلك بازدياد رجوع الاُمّة الإسلامية إلى دينها وقيمها.
ثانياً: إنّ هذا الكمّ العددي الموجود في الحجّ هو نوعي في نفس الوقت، بكلّ المقاييس، اجتماعياً وحضارياً وعمرياً وفكرياً واقتصادياً وتمثيليّاً.
صحيح أنّ الكمّ المذموم شرعاً وطبعاً، هو الكمّ الغثائي الذي عبّر عنه النبيّ صلى الله عليه و سلم بقوله: «ولكنّكم كثير كغثاء السيل» ، والمتأمّل لمصطلح «الغثاء» والوقوف على خصائصه، يرى بأنّه لفظ معبّر عن رداءة النوع، وافتقاد الرؤية، والبوصلة، والاتجاه، والأمعية، والخفّة، وانعدام الروح، وانعدام القواسم المشتركة. . بينما الحجّ يعتبر وسيلة فعّالة للتجاوز بهذه الأعداد من الغثائية إلى الإنتاجية والفعّالية، ومن ثَمّ تحويلها إلى أنواع وفعّاليات جديدة بإذن اللّٰه، عن طريق بثّ الروح الإسلامية فيها وتعميق القواسم المشتركة بينها لتذكيرها بالمصير المشترك الذي يجمعها ويحقّق الاستقلالية الذاتية لها. ولن يتحقّق هذا سوى عن طريق تطوير إمكانيات الحجّ، وتعميق مفهومه، واستثمار التعدّد الثقافي والحضاري للاُمّة، وخاصّة في الحجّ عبر الاستفادة منه، واستخدام وسائل الثقافة الجديدة المتطوّرة والمشاعة لتعميق ذلك.
ولعلّني لن أكون حالماً، بأنّي سأشاهد في سنوات حياتي القليلة