124ونسبيّتها، وجعل الإنسان مرجعية ذاته، وانكماش ال «نحن» وبروز «الأنا» .
إنّ الحقيقة التي يخرج بها الحاج من تجربة الحجّ على المستوى التصوّري والفلسفي والقيمي هو النظر إلى الاُمور نظرة مخالفة وحقيقيّة، قوامها الدِّين أوّلاً، والدُّنيا ثانياً، وأنّ الدين هو عصمة الأمر وهو الغاية، وبه تتحقّق المنافع، وأنَّ الدُّنيا معاش ووسيلة، ممّا يزيد من رفعة الإنسان، ويؤكّد له أنّ هذه القيم والأخلاق والمعتقدات إنّما تزيد من حسن تمتّعه بمباهج الدُّنيا، وتفعيلها لمعانٍ أرقى وأعلى شأناً وخطورةً.
والتحوّل الآخر الذي يعيشه الحاج هو تغيّر شعوره من فرد إلى اُمّة، من شخص له اهتماماته الفردية الآنيّة إلى إنسان كوني، تشغله مصلحة الإنسان في كلّ مكان.
إنَّ ولادة الحاجّ الجديدة تعدّ قفزة في تنميته وإنمائه، فهي تغيّر مفاهيمه وتصوّراته من المحدود والشكلي والعادي وسفاسف الاُمور إلى رحابة التصوّر الإسلامي ذي الاُفق الواسع الكوني الساعي - انطلاقاً من قيم أخلاقية - إلى تحقيق الأخوّة الإنسانية والوسطيّة والشهادة على العالمين، وتمكّنه بهذه الروح من العمل لتحقيق الشهود الحضاري، وتعمير واستعمار الأرض بما يكفل حياة سعيدة رغدة على المستويين النفسي / الروحي والمادّي / المعيشي في حياته وحياة الاُمّة! !
وبحكم هذا التصوّر لدى الحاجّ، يعمّق فيه الجانب القيمي ونكران الذات والاستعداد للتضحية بالأشخاص والأشياء في سبيل الأفكار والقيم متجاوزاً الفردية والمصلحية، ومن ثمّ يتحوّل إلى الشخص المنتج الفاعل العدل بدل الشخص المستهلك الخامل الكَل. إنّ معاني الحجّ - لو أحسن استثمارها وتعميقها - ستتجاوز بنا مرحلة الوهن الحضاري والغثائية التي حدّدها رسول اللّٰه صلى الله عليه و آله و سلم بقوله: حبّ الدُّنيا وكراهية الموت.
ورغم ما يشيعه خطاب العولمة: من أنّ العبرة في الفعل الحضاري لصالح