٧۵وخلق لروحه وبدنه منافيات وملائمات وآلاماً ولذّات ومنجيات ومهلكات، فمنافيات البدن الأمراض والأسقام الجسمانية، وملائماته الصحّة واللذات الجسمانية، والمتكفّل ببيان تفاصيل هذه الأمراض وكيفية علاجها هو علم الطب، ومنافيات الروح والآمه هي رذائل الأخلاق وذمائمها التي تهلكه وتشقيه، وتودي به إلى أسفل السافلين ترديه وتهويه، فيكون كالأنعام بل أضلّ سبيلاً، وقلبه كالحجارة بل أشدّ قسوةً، وصحّة الروح رجوعها إلى فضائل الأخلاق ومحامدها، التي تنجيه وتسعده في الدارين، وتأخذ بيديه إلى مجاورة أهل الحق عند مليك مقتدر في مقعد صدق، . . . هذا وأنّ المُتكفّل لبيان هذه الصفات الأخلاقية ومعالجة رذائلها هو (علم الأخلاق) .
وإنّما بعث اللّٰه رسوله خاتم النبيين محمّداً صلى الله عليه و آله ليتمّم مكارم الأخلاق، وقد مدحه ربّه في قوله تعالى: وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ ١وقد أقسم في سورة الشمس بأحد عشر قسماً أنّه قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا حتى قيل أوجب الواجبات الأخلاق الحسنة والمحمودة.
ثمّ البدن ماديّ فانٍ، وكل من على الأرض فانٍ، والروح مجرد باق، وإذا اتّصفت النفس بشرائف الأخلاق كانت منعّمة في السعادة الأبدية، وإن اتّصفت برذائها كانت في الشقوة والعذاب مخلّدةً.
فعلى المرء الواعي أن يهذّب نفسه ويزكّي أخلاقه ويعالج أمراضه قبل فوات الأوان، كما أنّ المريض ينبغي له أن يُعالج بدنه وصحته، وكل شيء إنّما يعالج بضدّه، فإنّ علاج اليابس بالرطب والرطب باليابس والحار بالبارد والبارد بالحار، وهكذا أمراض الأخلاق، فإنّه يعالج مرض الجهل بالعلم، والبخل بالسخاء، والكبر بالتواضع، ومرض الشرّه بالكفّ عن الشهوات، ومرض الرياء