170والواقع، أنّ الاختلاط القائم بين القبائل العربية في أسواق الحج الموسمية، أثّر في اللغة والدين والعادات، فقد ترتب على قيام قريش على هذه الأسواق لأعوام طويلة قبل البعثة النبوية، أن تتبوّأ في اللغة المكان الأعلى؛ لأنّ لغات القبائل عامّة من اليمن وعُمان والشام والعراق ونجد وتهامة، تطرق مسامع قريش على الدوام، فتختار منها ما يحسن، وتنفي ما يقبح، وقد كانت على هذا الاصطفاء اللغوي زمناً كافياً حتى خلصت لها هذه اللغة الممتازة، وتهيأت لينزل بها القرآن الكريم على أفصح وجه وأبلغه وأتمّه كمالاً وسلاسةً وجمالاً 1.
وكان الشعراء الذين ينظمون الشعر؛ لينشدوه بعكاظ وغيرها من الأسواق في الجزيرة العربية، يتوخون اللغة المجمع على فصاحتها، والتي صار لها النفوذ والشيوع، فكانت لهجة قريش هي اللهجة الرسمية بين لهجات الجزيرة العربية كلّها 2.
كما أثّرت هذه الأسواق التي تُقام في مواسم الحج في التبادل اللغوي، وفي العادات بين أبناء القبائل العربية في الجزيرة العربية، ذلك أنّ أي اختلاط بين فريقين لابدّ أن ينتهي بأثر في كلّ منهما، فاليمني يأخذ شيئاً من أخلاق الحجازي، والنجدي يحمل ألواناً من عادات العُماني وهلّم جرا 3.
وبالإضافة إلى الأدب المُتمثّل في الشعر والنثر، والعادات، لعبت الأسواق العربية التي تُقام في مواسم الحج، دوراً كبيراً في الدين لقيام جميع تلك القبائل بمناسك واحدة يؤمّهم فيها قريش أهل الحرم 4.