43ويستفاد من كلام صاحب «المدارك» أيضاً أنّه لم يكن يعتقد اعتقاداً قطعيّاً بوجود الأعمدة في الأزمنة السابقة، فإنّه يقول:
«وينبغي القطع باعتبار إصابة البناء مع وجوده، لأنّه المعروف الآن من لفظ الجمرة، ولعدم تيقّن الخروج من العهدة بدونه، أمّا مع زواله فالظاهر الاكتفاء بإصابة موضعه» 1ولعلّه أوّل من أفتى بهذه الفتوىٰ.
وفي كلام بعض فقهاء السنّة أو الزيديّة (أي المتأخّرين منهم) إشارة كذلك إلى وجود العمود في زمانهم. منهم الإمام أحمد المرتضى من فقهاء الزيدية في القرن التاسع، الذي أشارت عبارة له إلى وجود العمود في زمانه، لكنّ الطريف أنّه يصرّح بأنّ بعض الفقهاء قالوا: لا يجزئ رمي الأعمدة بالحجر، ويجب أن يصيب موضع الجمرة (مجتمع الحصى) . وهذه عبارته:
«فإنْ قَصَد إصابة البناء فقيل لا يجزي؛ لأنّه لم يقصد المرمىٰ. والمرمىٰ هو القرار لا البناء المنصوب» 2.
أجَل، إنّنا كلّما بحثنا في كلام فقهاء الشيعة والسنّة تأكّد وصولنا إلى هذه النتيجة، وهي أنّ موضع الرمي هو قطعة الأرض، وإنّما بُني العمود بعدئذٍ ليكون علامة.
2 - من اللّازم الالتفات إلى هذه النقطة أيضاً، وهي أنّ طائفة من متأخّري الفقهاء يَعدّون رمي الموضع مجزياً، منهم الشهيد الأوّل في كتاب الدروس، حيث يقول:
«والجمرة اسم لموضع الرمي، وهو البناء أو موضعه ممّا يستجمع من الحصى.