193في حزن عظيم. . وظلّ هكذا متألِّماً باكياً حتّى حان وقت الأذان، والمسلمون ينتظرون بلالاً وصوته الندي. . لكنّه لم يؤذِّن.
وأحسّ بالفراغ الكبير، ثمّ راح يتساءل مدهوشاً لمن يؤذِّن؟
لم ينم حتّى الصباح، حيث اللقاء في المسجد، فحان وقت صلاة الفجر، وعلى بلال أن يؤذِّن لها. .
فقيل له: الأذان يا بلال.
ارتفع صوت بلال ندياً جميلاً رائعاً:
اللّٰه أكبر اللّٰه أكبر
اللّٰه أكبر اللّٰه أكبر
أشهد أن لا إله إلّااللّٰه
أشهد أن لا إله إلّااللّٰه
وهنا عادت المصيبة ماثلةً أمام عينيه. . فاحتبست الشهادة الثانية في فيه، وحشرجت آهاته في صدره. . وانهمرت دموعه. . ولم يتمالك نفسه فراح الجميع يشاركه البكاء. .
بقي بلال طويلاً لا ينطق بها. . . ثمّ تغلّب الرجل على عواطفه وأحزانه وعبراته المتدفِّقة فنطق بها، ولكن بصوت هادئ هذه المرّة ثمّ أكمل فصول الأذان، إنّه الأذان الأخير. .
فقال والدموع في عينيه: لن أؤذِّن بعد اليوم، فليؤذِّن غيري، وفعلاً ظلّ هكذا ولم يؤذِّن، وحتّى بعد أن تولّى الخلافة أبو بكر، وقال لبلال: أذِّن.
فأبى بلال وقال له: إن كنت إنّما اشتريتني لنفسك فأمسكني، وإن كنت اشتريتني للّٰه، فدعني وعملي للّٰه، فقال أبو بكر: ما أعتقتك إلّاللّٰه.
فأجابه بلال والحزن مرتسم على وجهه: فإنّي لا أؤذِّن.
ثمّ لم يطق البقاء في المدينة بعد وفاة الرسول صلى الله عليه و آله، وحاول مرّات أن يخرج إلى