119
أقول: اللّهمّ إنّي رضيتُ بسنّة الخلفاء الراشدين حكماً، وما عليه أصحاب محمّد متمسِّكاً وملتزماً، فأُحِلُّ ما أحلّوه، وأفعلُ ما فعلوه، وهذه أقوالهم وسيرتهم في هذه الرسالة أوضحتُها، فلا أزيغ عنها، ولا أبعد مسافةً منها، فتتبّع ما رويتُ من أخبارهم، وما نقلتُ من آثارهم، رزقني اللّٰه وإيّاكم حلاوة الإنصاف، وجنّبنا مرارة الجدال والاعتساف.
وأمّا قولك: «فلا تغترّ بالكثرة وهذا الثابت عن نبيّك، واللّٰه يقول: وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِى الشَّكُورُ 1، وقال: إِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِى الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللّٰهِ 2. وفي الحديث: إنَّ بعث الجنّة من الألف واحد، فأنت اختر لنفسك، والمهدي من هداه اللّٰه» ، انتهى.
أقول: يا أخي، الوصية مشتركة بيني وبينك، فالذي عَليَّ ألّا تأخذني حميّة الآباء والأجداد، وحبّ الطريقة المأنوسة بين العباد، بل أنظر بعين البصيرة وإخلاص السريرة.
وأمّا أنت فإنّي أخشى عليك من حبّ الانفراد، حتّى لا تكون كبعض الآحاد، فإنّ الأصابع لم تزل ممدودة إلى مَنْ ركب جادة غير معهودة، وقد ورد في المثل: (خالفْ تُعْرَفْ) .
ثمّ إنّي - واللّٰه - أخشى عليك من جهة أنّك كنت خالي البال، بعيداً عن هذه المحال، فوردتْ عليك شبهاتٌ لم تستطع ردّها، وخيالاتٌ لم تبلغ حدَّها، فكان الحال كما قال: (صادف قلباً خالياً فتمكّنا) 3.